ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن من ملك هذا المقدار حرمت عليه الصدقة ولم تحل له المسألة، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: جماعة من أهل الحديث منهم أحمد بن حنبل، روى عنه ذلك أبو عمر، وقال: ومِنْ أحسن ما رأيت من مذهب أهل الورع ما حكاه الأثرم عن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- يُسأل عن المسألة متى تحل؟ قال: إذا لم يكن عنده ما يغديه ويعشيه، على حديث سهل بن الحنظلية، قيل له: فإن اضطر إلى المسألة؟ قال: هي مباحة له إذا اضطر، قيل له: فإن تعفف؟ قال: ذلك خير له، ثم قال: لا أظن أحدًا يموت من الجوع، الله يأتيه برزقه.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: من ملك أوقية من الورق وهي أربعون درهمًا أو عدلها من الذهب حرمت عليه الصدقة ولم تحل له المسألة، ومن ملك ما دون ذلك لم تحرم عليه الصدقة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم الحسن البصري، وأبا عبيد ومالكًا في رواية الوليد عنه، فإنهم قالوا: من ملك أربعين درهمًا أو ما يساويها من الذهب حَرُمت عليه الصدقة، وهو معنى قوله:"أو عدلها من الذهب" بفتح العين وبكسرها بمعنى المثل، وقيل: هو بالفتح ما عادله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل بالعكس.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد قال:"أتيت رسول الله -عليه السلام- فسمعته يقول لرجل يسأله: من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافًا، والأوقية يومئذ أربعون درهمًا".
وبما حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا مالك. . . . فذكر بإسناده مثله.