فأردنا نحن أن نستخرج من القولين قولا صحيحا، فرأيناهم قد أجمعوا أنها إذا توضأت في وقت صلاة فلم تصل حتى خرج الوقت، فأرادت أن تصلي بذلك الوضوء، أنه ليس لها ذلك حتى تتوضأ وضوءا جديدا، ورأيناها لو توضأت في وقت صلاة فصَلَّت، ثم أرادت أن تتطوع بذلك الوضوء، كان ذلك لها مادامت في الوقت.
فدل ما ذكرنا أن الذي ينقض طُهْرها هو خروجُ الوقت، وأن وضوءها يُوجبُه الوقت، لا الصلاة. وقد رأيناها لو فاتتها صلوات فأرادت أن تقضيهن، كان لها أن تجمعهن في وقت صلاة واحدة، بوضوء واحد، فلو كان الوضوء يجب عليها لكل صلاة، لكان يجب أن تتوضأ لكل صلاة من الصلوات الفائتات، فلما كانت تصليهن جميعها بوضوء واحد، ثبت بذلك أن الوضوء الذي يجب عليها هو لغير الصلاة، وهو الوقت.
ش: أراد "بالذين قالوا": أهل المقالة الثالثة، وهم الأئمة الأربعة ومن تبعهم.
قوله:"فقال بعضهم" أراد به: أبا حنيفة وأصحابه؛ فلذلك أوضحه بقوله:"وهو قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-" وهو قول أحمد أيضا في الأصح عنه.
قوله:"وقال أخرون" أي: جماعة آخرون، وأراد بهم: الشافعية ومن تبعهم.
وأما مذهب مالك، فقد قال ابن حزم في "المحلى"(١): وقال مالك: لا وضوء عليها -أي على المستحاضة- في هذا الدم إلا استحبابا لا إيجابا، وهي طاهر ما لم تُحْدِث حدثا آخر.
قوله:"من القولين" أراد بهما: قول الحنفية، وقول الشافعية، ثم ذكر ثلاث مسائل متفقا عليها، وقاس عليها مسائل المستحاضة المتنازع فيها، والجامع: كون وجوب الوضوء عليها للوقت لا للصلاة، فافهم.