- لفظ "اليوم" لا يشير إلى زمان نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط بل يشير إلى امتداد زماني يصل إلى آلاف السنوات، ولفهم معنى هذا اليوم يرجع إلى أسفار العهد القديم والعهد الجديد، ففي سفر التثنية (سفر موسى الخامس) يبدأ الأصحاح الثالث والثلاثون هكذا: "وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، قال جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من أبواب القدس وعن يمينه نار شريعة لهم .. ([ص:٢٢٤]) (الأصحاح ٣٣/ ١ - ٣) وقد اتفق علماء النصارى على أن ذلك تنبؤ للمستقبل ويعترف المسلمون بهذا أيضا والنتيجة أن موسى عليه السلام رحل عن الدنيا بعد أن شوق أهل الدنيا إلى من أتي من بعده. وآخر أسفار العهد القديم سفر النبي ملاخي، وقد جاء بعد موسى بألف وأربع وخمسين سنة ويبدأ الإصحاح الثالث من هذا السفر هكذا: "هأنذا أرسلى ملاك فيهيئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هو ذا يأتي قال رب الجنود" [ص:١٣٥٦] ملاخي الأصحاح الثالث. ويفهم من ذلك أن آخر أسفار العهد القديم يتركنا منتظرين. ثم يبدأ العهد الجديد الذي يطلق عليه اسم الإنجيل ولنطالع الإنجيل. قال المسيح عليه السلام في آخر مواعظه (التي لم يعظ أمته بعدها بأية موعظة): "إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني" يوحنا ١٦/ ١٢ - ١٤ [ص:١٧٨]. يثبت من هذه الإحالات أن التوراة والإنجيل يتركانا مع كل الدنيا في مرحلة انتظار، والقرآن الكريم هو الكتاب الذي يضع خاتمة لمثل هذا الانتظار وهكذا يعلن النداء الرباني الأخير: {اليوم أكملت لكم دينكم} فلفظ اليوم يبشر الذين ينتظرون منذ آلاف السنين، ويفرحهم ويسرهم ببشارة الإتمام والتكميل. وحين يوضح علماء الجيولوجيا والعلوم أفكارهم فيما يتعلق بخلق العالم يقولون إن العالم الحالي قد وصل إلى صورته الحالية بعد آلاف التغيرات التي طرأت عليه بعد آلاف السنوات، وكأن الحالة التي عليها العالم الآن والتي لا يمكن أن نتصور أحسن منها جاءت نتيجة تهذيب وتعديل وتطوير، استمر آلاف السنين.