والقساوسة يقولون أن تنبؤ المسيح تحقق، فهل نصدق القساوسة في قولهم هذا، ونكذب بطرس؟
أقول: لا ثم لا، والحاصل أن تنبؤ المسيح لم يتحقق يوم الخمسين. ولا يسع علماء النصارى أن يذكروا يوما آخر سوى ذلك اليوم لتحقق تنبؤ المسيح.
وخلاصة الدليل كله أن النصارى لم يتلقوا الكثير مما بقى من تعليم الصدق، وآية العنوان توضح أن محمدا (ص) هو الذي قام بتعليم العالمين ما لم يكونوا يعلمون.
وصحة هذا الدليل تتجلى بشهادة ضمنية أيضا هي قول المسيح: إن روح القدس يعلم ذلك الصدق الكامل الذي لم يستطعه المسح. ولكن لم يتم يوم الخميس تعليم أمر جديد واحد، بل قال بطرس إن ذلك الحادث تنبؤ النبي يوئيل، أو ذكر حادث صلب المسيح، ولكن لم يتم أيضا تعليم شيء ما.
وفي مثل هذه الحالات ثبت ما برهنا عليه من أن النصارى كانوا في حاجة لتعلم الكثير، أما اليهود الذين جلسوا في مجلس موسى معتدين بأنهم أهل الكتاب، ومفتخرين بفهمه، فقد خاطبهم القرآن الكريم:{وما أويتم من العلم إلا قليلا}(١). ولما ثبتت قلة علم الطائفتين من أهل الكتاب بشهادة المسيح وبإعلان القرآن الكريم وجب أن تلقن الدنيا مرة تعليما كاملا، وحان ذلك الوقت في عهد النبي (ص) الميمون لإتمام النقص الذي دل عليه قوله تعالى {مالم تكونوا تعلمون}.
ولما تبين النقص في أهل الكتاب فإن الأقوام الأخرى بالضرورة كانت أقل علما منهم، فالخطاب في الآية للعالمين جميعا، ومنزلة النبي (ص) هي أن يعلم الجميع ما جعله العالم إلى الآن.
ومما يحتاج إلى الشرح في تنبؤ المسيح أنه ورد فيه اسم روح الحق، ولم يرد هذا الاسم في غير هذا الموضع من الأناجيل الأربعة، بل ورد في المواضع الأخرى اسم روح
القدس، واستعمل بطرس كلمة ((روح القدس)) حين ذكر يوم الخمسين أيضا، وهذا الفرق يدل دلالة واضحة على أن ((روح القدس)) شيء، و ((روح الحق)) شيء آخر. وادعاء