للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت هذه الخلافات تشبه الجراثيم التي تقضي على شجرة النصرانية من جذورها. وكانت كنائس روما والقسطنطينية ومصر والقدس تدعي لنفسها الكرامة والشرف، وتتبادل فيما بينها فتاوى الفسق والكفر، وفي هذه الأيام ظهر فيهم اتجاه التمثل بمريم والمسيح، فترهب ألوف من الرجال والنساء، وكان وجودهم عبئا على العالم المتحضر ووصمة عار على جبين الكنيسة، وقضت عقيدة الكفارة (١) على الرغبة في الأعمال الصالحة، وأطلقت فكرة إنقاذ المسيح للملعونين وأهل النار عنان الطبائع الوحشية. كما أتاحت مسألة الكذب المقدس لكل فرقة فرصة تزويد الوثائق الهامة حسب أهوائها وقياساتها، وهذه المفاسد جعلت النصرانية مكروهة منفرة، كما أن الاضطهاد الذي لقيه النصارى على أيدي براسبير وآردين والأسقف ديكن قد أنسى الناس ظلم هيروديس ونيرو.

وفي مثل هذه الظروف كانت بعثة النبي محمد (ص).

وقد توفرت لنصارى الشام ومصر والعراق في ظل الإسلام حياة الأمن والسلام مع الإبقاء على معتقداتهم، وسلام الإسلام قد وضع عنهم الإصر والأغلال التي أثقلت رؤوسهم وأفكارهم.

٤ - الأمم الهندوكية: أطلق المسلمون على سكان شرقي نهر إندو أو السند اسم إندو أو هندو، وتاريخ هذا البلد وهذه الأمة كان تاريخا مظلما، ولكن توجد آثار تدل على نهضة علمية في هذه البلاد أيضا. وانحطاط الأمة الهندوكية وبلادها ودياناتها وعلمها قد بدأ بحرب (مها بهارت) (٢) وقد وقعت هذه الحرب قبل المسيح بنحو ألف وخمسمائة سنة (٣)، ويحكى أنه لم يبق في الهند كلها شخص لا ينضم إلى أحد الفريقين (كورو-باندو) وقياسنا أن عدد السكان حين ذاك لم يكن أقل من خمسين مليونا، ولكن الحرب قد أتت عليهم، فلم يبق من الطرفين إلا اثنا عشر رجلا، ولما رأى الفاتحون هذا الوضع المقلق أسرعوا بالقضاء على حياتهم.


(١) أي التكفير عن الذنوب.
(٢) ستيار ته بركاش.
(٣) تحقيق ما للهند من مقولة ص ٢٠٠.

<<  <   >  >>