للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم تستطع أن تظهر القوة لاستعادة الشاعرين، أو ترسل تهديدا إلى أتباع الرسول (ص).

كانت دول ذي ظليم وذي يزن في ناحية اليمن على اتصال بمكة، وكان لدى كل منهما جيش منظم ومال وفير، ولكن لم تفكر واحدة منهما في العدوان، بل أسلمتا دون

أن تخرجا من بيوتهما.

وكان ذو الكلاع الحميري يجلس في بيته، ويسجد له نحو خمس عشرة ألفا من رجاله وهم يصفونه بالإله، ولكن قلبه يرتعد خوفا من رسول الله الذي أغرق عديدا من المتفرعنين، إن رعب صاحب الرسالة قد غلب على من زعم نفسه معبودا ومسجودا. وصفة النبي (ص) كانت متجلية في كل مكان قريبا كان أو بعيدا، فيروى عن علي أنه قال: من رآه بديهة هابه (١).

كانت هذه هي النصرة الإلهية التي تمثلت في الرعب فزادت من عظمة النبي (ص).

الثاني: كون الأرض مسجدا وطهورا:

لم يكن اليهود والنصارى يصلون خارج كنائسهم، وكان المجوس لا يتعبدون إلا في بيت النار المقدسة، وهكذا كانت حال الهنادكة مع معابدهم.

أما المسلمون فلم تكن صلاتهم في حاجة إلى محراب العبادة، ولم يكونوا هم في حاجة إلى إنسان لقبول التوبة، بل استغنت قلوبهم الحارة وعيونهم المضيئة عن حرارة النار وضوئها، ولذا كانت كل بقعة على وجه الأرض صالحة لسجودهم، ويصدق عليهم قوله تعالى: {يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} (٢). ولهذا جعل الله تعالى الأرض مسجدا لهم.

وقد امتاز بهذا الشرف (ص) الذي أدرك الحقائق فرأى أشياء الكون تترنم بالتوحيد، ورمال الصحراء تعكس الأنوار القدسية، ورأى في كل شيء مظهر الجمال الأزلي ومرآة الجلال القدسي، ودوت ني أذنيه أصوات تسبيح الأحجار وتحميد الأشجار، ورأى جو الماء والأرض مملوءا بالتكبير والتهليل فقد جعلت الأرض كلها مسجدا.


(١) الترمذي (٣٦٣٨).
(٢) سورة آل عمران: ١٩١.

<<  <   >  >>