الظاهرة والباطنة إلى قمة التصديق - فكيف يتيسر لأحد إبطالها؟
إن الله تعالى أرى من خاطبهم النبي (ص) الآيات التي شهدت بها ضمائرهم، والآيات التي أيدتها حوادث الأرض والسماء وتقلباتهما، وهناك أقروا بصدق الإسلام وتساقطوا مثل الفراش على مصباح الهداية، ونثروا مثل الزهور أنفسهم وأموالهم حول منبع الأنوار.
إن أغلب آيات موسى التسع كانت تتعلق بالآفاق، فقامت حجة الله على آل فرعون، ولكنهم بقوا منعزلين عن الهداية. أما الآيات القرآنية فكانت تتعلق بالأنفس والآفاق معا، ولذا اقترب مخاطبو النبي (ص) من نور الحق، واستناروا به حتى ساروا نورا للآخرين، وهذا هو تأويل قوله (ص)((أصحابي كالنجوم)).
تنبؤ عن غلبة المسلمين: قال الله تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون}(الصافات: ١٧٣).
تعرض المسلمون لأنواع من الظلم والاضطهاد طوال المدة التي لم يؤذن لهم فيها بالقتال والدفاع الحربي، ثم رحمهم الله تعالى بسبب اضطهادهم وتضعضعهم فأذن لهم بالقتال، وانتظمت جماعة المسلمين بالتنظيم العسكري حتى صح إطلاق لفظ ((الجند)) عليهم، ومنذذ ذلك الوقت لم ينهزم المسلمون في موقعة، بل توالت عليهم الفتوح وحالفهم النصر والظفر، واقرأوا عن حروب العراق وفلسطين والشام وإيران وخراسان وتركستان ومصر والسودان حتى تعرفوا أن المسلمين لم ينهزموا في موقعة من هذه المواقع، بل تمت لهم الغلبة والنصرة في كل مكان. ومثل هذا التنبؤ لا يصدر إلا عن الذات التي تملك إذلال الأمم وإعزازها، الذات التي أحاط علمها بالمستقبل أكثر من إحاطة الإنسان بالعهد الماضي.
وقوله تعالى ((جندنا)) يتطلب مزيدا من التأمل، ومعناه الجيش الإلهي، والظاهر أن هدف مثل هذا الجيش لا يكون إلا إعلاء كلمة الله، بعيدا عن فتح الكنوز وتملك الخزائن، فإذا تغير هذا الهدف لا يليق بهذا الجيش أن يتصف بهذه الصفة وإذا لم يتصف جيش بهذه الصفة ينهزم ويتراجع أمام الأمم الأخرى.
وإذا كان المسلمون قد حرموا الغلبة التامة في القرون المتأخرة فسبب ذلك هو ابتعادهم عن كونهم جندا لله، وعلى هذا فإن الآية الكريمة المذكورة تضمنت تنبؤين: