٢ - إن وعد الله المذكور لا يصدق ما لم يبق المسلمون على هدفهم المذكور. تنبؤ عن خلافة الأرض: قال تعالى: {ويجعلكم خلفاء الأرض}(النمل: ٦٢).
في هذه الآية خطاب لعامة المسلمين. وقد تحقق هذا التنبؤ إذ حكم بنو أمية في دمشق نحو ألف شهر، ثم سيطروا على غرناطة وغيرها، ودام حكمهم على الأندلس قرونا عديدة. ومن تحققه أن خضعت مصر لحكم المسلمين منذ العصر الفاروقي إلى الآن، وتعاقبت على عرشها أسر عديدة. ومن تحققه أن بني العباس حكموا في بغداد بعد انقراض الدولة الأموية نحو ستة قرون. وكذلك حكم المماليك في التركستان وخراسان وغيرها، ثم فتح فرع منهم القسطنطينية فحكموا أوربا، وحكم فرع آخر الهند قرونا عديدة.
والحاصل أن حكم الأمويين والعباسيين والأتراك والأكراد والمماليك والآفغان لبلاد فراعنة مصر وأكاسرة إيران وقياصرة روما تحقيق للتنبؤ المذكور، ومن الواضح أن مثل هذا التنبؤ لا يكون إلا من عند الله تعالى عالم الغيب. تنبؤ عن حالة المؤمنين في الدنيا:
قال تعالى:{للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين}(النحل: ٣٠).
هذه الآية من سورة النحل، وهي مكية، ومن المعلوم أن المؤمين كانوا في مكة في ضيق وشدة وفقر وعسرة، حتى إن البعض لم يكن يجد ملبسا كاملا، وواجه البعض الأسر والحبس بسبب إيمانه، وكان البعض يلقى على الأرض الحامية ويوضع الحجر الثقيل على صدره ويوضع اللجام في فم البعض ويضرب بالسوط ويساق مثل الفرس، ويلقى البعض على النار، وكان الكفار يحسبون أن يبقى المسلمين على هذه الحالة دائما.
ولكن الله تعالى أخبر بكلامه أن هذه الحالة سوف تتغير وتتحسن حالة المؤمنين.
ورأى العالم بعد الفتوح أن مسلمي القرون الأولى قد استمتعوا بالنعيم والترف والعزة والكرامة، حتى اعترف الكفار بصدق تنبؤ القرآن وإخباره عن هذا الأمر. أخرج أبو داود عن جابر قال قال لي رسول الله (ص):