والطريقة التي قدم بها الإسلام العلم إلى الخلائق كانت مجهولة لدى الأمم الماضية.
فالإسلام يقسم العلوم إلى قسمين:
ألف - الجلي، ويحصل بثلاث وسائل:
١ - البصر، فتحصل به العلوم التي تتعلق بالمعاينة والاكتشاف.
٢ - والسمع، وتحصل به العلوم التي تنبني على الاستفاضة.
٣ - والقلب، وتحصل به العلوم التي هي مجموعة التجارب الإنسانية.
ب - الخفي، ويحصل أيضا بثلاث وسائل:
١ - الإيمان، ويمنح اليقين في الجزء المجهول.
٢ - الفراسة الصادقة، وهي تطلع على سر الأمور الخفية بعد الحواس العشر.
٣ - المعرفة، وتبدأ بنهاية الماديات.
وقد ذكر الإسلام علما آخر أيضا، وهو وهبي وليس كسبيا، ويقال له العلم اللدني، وهو خاص بالأنبياء عليهم السلام.
ويتلقى طالب هذا العلم درسه برحمة المبديء الفياض الخاصة، ويكون علمه سلطانا على العلوم والبراهين الأخرى، وتكتمل في ظل هذا العلم: العبودية والمتابعة والصدق ونتيجة هذا الكمال هي نفي الادعاء، وصاحب هذا العلم إذا أنجز عملا اعترف بقوله ((ما فعلته عن أمري)). وإنه يتكلم في جملة العلوم بالنطق الميمون، ويوضع على رأسه تاج: {وما ينطق عن الهوى (*) إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: ٤٤٣).
والمولعون بالمادة لم يطلعوا إلى الآن على حقيقة المادة، ولا على سبب حركتها، ولكن صاحب العلم المذكور يكشف عن حقيقة الروح، ويصرح بقوله: {الروح من أمر ربي} (الإسراء: ٨٥). وإنه ليطلع على حقائق عالم الأمر فوق عالم الخلق، وينور عين البصيرة بتعليم تلك الحقائق، وينزل غير المحسوس في مكان المعلوم.
وبالنظر في هذا المبحث كله يتضح أن الإسلام هو دين العلم، وهو حامي العلم.
تذييل: وموضوع كون الإسلام حامي العلماء يكتمل بالنظائر التي توضح مواقف