الحكام المسلمين الذين عرفت منزلتهم من الناحية الدينية أيضا من العلماء. هؤلاء أكرموا العلماء غير المسلمين أيضا.
كان الخليفة العباسي المنصور عالما كبيرا بالقرآن والسنة. عين في بلاطه جرجيس بن بختيشوع طبيبا خاصا له وعين من بعده الحسن بن شهلا ثار (وهما نصرانيان)، واحتل نوبخت وأبو سهل (وهما مجوسيان) منزلة عالية.
وكان يتوفل اللينائي (وهو صابئ) من كبار الضباط في بلاط المهدي. واحتل بختيشوع وجبريل (وهما نصرانيان) منصبا عاليا في بلاط هارون الرشيد، وكان يوحنا بن ماسويه مدير قسم السريانية، وشغل البطريق يوحنا وسهل بن سابور (وهما نصرانيان) مناصب عالية في بلاط المأمون، وكان سلموية بن بنان النصراني طبيبا خاصا للمعتصم، وكانت لحنين بن إسحاق النصراني منزلة خاصة في بلاط المتوكل، وكان يوزن له الذهب الخالص مقابل الأوراق التي يترجمها من اللغات الأخرى. غير راتبه الذي يتقاضاه شهريا عن عمله بالإضافة إلى الجوائز الملكية أيضا.
وكان في بلاط الراضي بالله طيفور النصراني والأسقف متى بن يونس النسطوري، وفي بلاط المعتضد كان إبراهيم وسنان ابني ثابت بن مرة وأبي الحسن حفيد ثابت من الموثوق بهم، وكان الناس يحسدون قسط البعلبكي ويحيى بن عدي بن حميد (وهما نصرانيان) على منزلتهما في بلاط الخلافة، وهكذا تطول هذه القائمة كلما بحثنا. وينبغي أن نفكر هل تحققت مثل هذه المنزلة لعالم مسلم تحت رعاية حكومة نصرانية أو حكومة غير مسلمة أخرى؟
بالعكس من ذلك نجد أمثلة كثيرة تبين اتجاها مضادا، فقد أخرج اليهود من الأندلس في ٢٠ مارس عام ١٤٥٢ م بجريمة أنهم درسوا كتب الفيلسوف المسلم ابن رشد. وفي فبراير عام ١٥٠٣ م تم نفي المسلمين من اشبيلية ونواحيها لنشرهم العلوم بين الناس.
وقد يظن أحد أن إجلاء اليهود والمسلمين يمكن أن يكون نتيجة للتعصب الديني والقومي، دون العداء للعلم والمعرفة. ولذا نعرض أمثلة أخرى تدل على أن نفس المعاملة السيئة واجهها علماء النصارى حينما نشروا العلوم العقلية أو اخترعوا علوما جديدة.
حبس البروفيسور برونو حينما بين مسألة وحدة الوجود، وأحرق حيا في عام ١٦٠٠ م بعد حبس طويل، وسفكت دماء كثيرة في أوربا حول مسألة كروية الأرض،