وصار رجال الشرطة يراقبون من يلجأ إلى هذه الأماكن, فيخرجونهم منها على هيئة شنيعة بعضهم مكبل بالحديد, وبعضهم موثق بالحبال. ويحبسونهم إلى الصباح كما يفعل البوليس الآن مع من يضبط من شاربي الحشيش في القهوات والغرز وغيرها.
ومن شدة استياء الناس من الشيخ عبد الحق السنباطي, نظم بعض أهل المجون فيه أبياتا, منها:
حرموا القهوة عمدا ... قد رووا إفكا وبهتا
إن سألت النص قالوا ... إن عبد الحق أفتى
ولما تعين الأمير خير بك محتسبا لمكة المكرمة في أيام السلطان الغوري, أفتى الشيخ شمس الدين الخطيب بتحريم القهوة. فمنع الناس من شربها, وأقفل بيوتها. فقال أهل المجون في ذلك:
قهوة البن حرمت ... فاشربوا قهوة الزبيب
ثم طيبوا وعربدوا ... وانزلوا في قفا الخطيب
ولما عزل خير بك عن حسبة مكة, عاد الناس إلى شرب القهوة في مكة جهرا بعد أن كانوا يشربونها سرا خوفا من بطشه.
أما أهل مصر فكانت تحرم عليهم القهوة مرة وتحل أخرى في مدى أيام السلطان الغوري وعهد طومان باي إلى أن دخل السلطان سليم مصر سنة ٩٢٣ هـ وقتل الطبيبين الأعجميين المذكورين, وأبيح للناس شربها جهرا. واستمر الحال على ذلك إلى وقتنا هذا.
ومن الغريب أن القهوة لم تدخل القسطنطينية إلا في سنة ٩٦٢ هـ (١٥٥٥ م) أي بعد أن عرفها المصريون وشربوها, وكان ذلك في أيام سليمان خان الثاني. والذي أدخلها إلى إسلامبول