للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الشيخ السعدى - (١) - رحمه الله -: "وهذا الأمر الذي أمرناك به. هو {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ووضع في عقولهم حسنها، واستقباح غيرها". (٢) فينتفى بذلك وجود الموانع من داخل النفس البشرية. ولكن مع ذلك إذا تمكنت الشبهات من النفس البشرية، واستطاعت أن تحجب تلك الحقيقة لوجود الموانع الصارفة من الخارج؛ أمكن حينئذ تدخل طرق المعرفة الأخرى من النظر أو الكشف، فقط لتزيل ذلك الحجاب، وتنبه النفس من تلك الغفلة التي عرضت لها.

ومما يشهد لذلك حال الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - الذين هم أعلم الناس بالله تعالى وما يجب في حقه - في دعوتهم للأمم، حيث افتتحوا تلك الدعوة بالأمر بالتوحيد الذي يعني حقيقته إخلاص العبادة لله وحده، مما يدل على أن تلك الأمم كانت مقرة بربوبية الله تعالى على خلقه، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦].

ومع وضوح هذا الأصل وبعده عن الغموض والتعقيد، إلا أن الافتراق الذي حدث للأمة المسلمة قد أثر على صفاء ذلك المعتقد، حيث داخله خلط كبير منذ اتساع رقعة بلاد الإسلام واختلاط عدد كبير من أصحاب الديانات السابقة والنحل المختلفة بأبناء المسلمين، ونتيجة لذلك تصدى عدد من المتكلمين للرد على شبهات المخالفين بغية الدفاع عن عقيدة المسلمين. ومع الابتعاد عن منهج السلف في تقرير العقيدة والدفاع عنها، وتعظيم العقل والاغترار به، حدث الابتداع المنهى عنه وأدخل في الدين ما ليس منه. وبذلك احتل منهج الرد على المخالف مكان تقرير العقيدة الحقة، وأصبحت هذه المسألة من أهم مسائل علم الكلام.


(١) هو العلامة الورع الزاهد الفقيه الأصولى المحقق الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدى علامة القصيم، ولد سنة: ١٣٠٧ وتوفى سنة: ١٣٧٦ هـ رحمه الله اهتم رحمه الله بعقيدة السلف وظهر تأثره جليًا بشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في تحرير المسائل كان له عدد من المؤلفات القيمة على رأسها كتاب التفسير المسمى: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. انظر في ترجمته: مآثر علماء نجد: (١/ ٢٣٩)، والأعلام: (٣/ ٣٤٠) ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة: (٥/ ١٥٠).
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: ٦٩٩.

<<  <   >  >>