للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعتزلة هم أول من عرف عنهم تزعم هذا الفكر والذب عنه، حيث بنت معتقدها في قضية المعرفة على أساس المنهج العقلى الذي وضعته في تقرير العقائد والذي يعتمد في أساسه على قضية التحسين والتقبيح العقليين، وبذلك صار الإيمان بالعدل والتكليف ضرورة تقتضى عدم إمكان تحقق المعرفة بغير النظر، فنفوا بذلك إمكان تحققها بالضرورة؛ إذ لو أمكن معرفة "الله ضرورة أو بالمشاهدة لسقط التكليف، أو لو عرف بالطبع سقط أيضًا التكليف، فالتكليف عندهم أساس تتفرع عليه آراؤهم في مشكلة المعرفة" (١).

وانتقل هذا التصور الذي نشأ في أحضان المعتزلة للفكر الأشعري، حيث يبرهن أبو الحسن الأشعري على نظرية المعرفة بأنه لو كانت معرفته تعالى تحصل ضرورة لما أمر بها ولما ترتب المدح والذم عليها، يقول: "إن معرفة الله تعالى مأمور بها. . ." إلى أن يقول: "وإذا كان ذلك كذلك دل أنها اكتساب لأن الأمر لا يتعلق بنوع الضرورة، ولا الذم على تركه، والمدح على فعله". (٢)

ونتيجة لما تقدم ذهب الجم الغفير منهم إلى القول بأن معرفة الله تعالى نظرية فقصروا حصولها على الاستدلال العقلى فقط، وأوجبوا بذلك النظر وجوب الوسائل المفضية إلى المقاصد، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (٣)

ومع ذلك فقد ذهب عدد منهم إلى إمكان معرفته سبحانه بمقتضى الفطرة. (٤)

ونتيجة لما سبق تفرع الخلاف في هذه القضية، حيث تدور محاوره حول المطالب التالية:

أولًا: طرق المعرفة.

ثانيًا: حكم المقلد في باب الإيمان. (٥)


(١) الاتجاه العقلى في مشكلة المعرفة: ١٥٩. د. عاطف عراقى. وانظر: شرح الأصول الخمسة: (٣٩).
(٢) مجرد مقالات الأشعري: (٢٤٩).
(٣) انظر: الإرشاد، للجوينى: ١١.
(٤) انظر: كلام الشهرستانى: نهاية الإقدام في علم الكلام (١٢٤). تحقيق ألفرد جيوم.
(٥) وهذا ما سأتناول بحثه في الآتى.

<<  <   >  >>