للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خاليًا منها، ولامتنع الحكم عليه بعدم خلوه من الحوادث، وإذا علم امتناع سبقه لها مع عدم خلوه منها، بقى أن يكون وجوده مقارنًا لها أو بعدها، وحدوثه في كلا الحالتين ظاهر لا يحتاج إلى بيان.

وأما الاحتمال الثاني الذي يرد عليه: أن الذي لا يخلو من جنس الحوادث حادث - أي الحوادث المتعاقبة التي لا ابتداء لها - فهذا هو محل النزاع، والذي لا يسلم أهل السنة والجماعة للمتكلمين به، وعليه مدار إثبات أفعال الله الاختيارية المتعلقة بالإرادة كالكلام والغضب والضحك وغير ذلك، يقول شيخ الإسلام: "وأما ما لا يسبق جنس الحوادث، وهو ما قدر أنه لم يزل يقارنه حادث بعد حادث وهلم جرًا، كما أنه يقارنه حادث بعد حادث، وفانٍ بعد فانٍ في الأبد، فيقدر ليس متقدمًا على جنس الحوادث، ولا متأخرًا عن جنس الحوادث والفانيات؛ فهذا محل نزاع نازعهم فيه جمهور الناس من أهل الملل والفلاسفة القائلين بحدوث العالم". (١)

ولما علم بطلان تعميم الحكم بالحدوث على كل ما لا تخلو منه الحوادث استنادًا إلى وجود حوادث لا أول لها، أقدم متأخروا المتكلمين على نفى إمكان حوادث لا ابتداء لها، ووضعوا برهان التطبيق؛ ليحتجوا به على هذه المقولة. (٢)

لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، ولم تتمكن من إثبات حوادث لا أول لها؛ لأن ما تستند إليه من دليل التطبيق باطل ممتنع "وملخص ذلك أن ما لا يتناهى إذا فرض فيه حد كزمن الطوفان، وفرض حد بعد ذلك كزمن الهجرة، وقدر امتداد هذين إلى ما لا نهاية، فإن تساويا لزم أن يكون الزائد مثل الناقص، وإن تفاضلا لزم وقوع التفاضل فيما لا يتناهى" (٣)

وقد بين شيخ الإسلام امتناعه من عدة أوجه:

١ - أنه لا يمكن التطبيق مع وجود التفاضل، كما في المثال.


(١) الدرء: (٨/ ٢٣٨).
(٢) انظر: المرجع السابق: (١/ ٨) و (٩/ ٨٧).
(٣) المرجع السابق: (١/ ٣٠٤). وانظر على سبيل المثال: لمع الأدلة للجوينى: ٩٠، والمواقف للإيجى: ٢٤٦.

<<  <   >  >>