للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} قد فسرها ابن عباس - رضي الله عنهما - بقوله: "السيد الذي كمل سؤدده، والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله عز وجل، هذه صفته ولا تنبغى إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء" (١)، فإثبات الأحدية لله تضمن نفى المشاركة والمماثلة، وهذا هو توحيد التنزيه، وإثبات الصمدية بكل معانيها المتقدمة؛ تتضمن إثبات جميع تفاصيل الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهذا هو توحيد الإثبات (٢).

أما القسم الثاني من التوحيد؛ فقد تضمنته سورة: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وكثير من آيات الكتاب الكريم.

"وغالب سور القرآن متضمنة لنوعى التوحيد، بل كل سورة في القرآن: إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته، وهو التوحيد العلمى الخبرى، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادى الطلبي" (٣).

ولما كانت العلاقة بين هذه الأقسام علاقة استلزام وتضمن؛ فقد مثل التوحيد - بأقسامه الثلاث - المقصد الأسمى والغاية العظمى من خلق الله تعالى للثقلين، ومن إنزاله الكتب إليهم على أيدى الرسل والأنبياء، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] إذ هو سبحانه المنفرد بالخلق، فلا يصح أن يعبد غيره، وهو المنفرد بالأمر وغاية الأمر أن يعبد وحده.

وقد بين سبحانه أن الغاية من خلق الثقلين هي: إفراده وحده بالعبادة، حيث قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] بل نزه نفسه


(١) رواه ابن جرير في تفسير سورة الإخلاص بإسناده: (٣٠/ ٣٤٦).
(٢) شرح العقيدة الواسطية، العلامة محمد خليل هراس: ٨٢.
(٣) شرح العقيدة الطحاوية: ٨٩.

<<  <   >  >>