عن إرادة العبث من خلق السموات والأرض وبين أن {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}[ص: ٢٧] أما المؤمنون فحالهم ينطق ولسانهم يلهج بـ {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ}[آل عمران: ١٩١].
وكما بين سبحانه الحكمة من خلقه؛ فقد بين الحكمة من أمره في كثير من آيات الذكر الحكيم، فقصص الأنبياء تترى وأخبارهم تروى في بيان هذه الحقيقة وتأكيد:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: ٥٩].
وسار السلف الصالح - رضوان الله عليهم - على نهج الأنبياء - عليهم السلام - في الدعوة للتوحيد والذب عن حماه معتقدين اعتقادًا جازمًا مستمدًا من الهدى الكريم، أنه لا نجاة إلا به، هكذا دونما تفريق بين لوازمه ومعانيه، لا لغموض في فهمه ولبس، وإنما لوضوح هذه الحقيقة وبعدها عن الكدر والشوائب.
وظل الأمر على هذا؛ حتى خلف منٍ بعدهم خلف انحرافوا عن المسير فضلوا السبيل و {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}[التوبة: ١٠٢] حيث أرادوا الدفاع عن الدين من أقوال الكفرة الباغين، فحصروا جل اهتمامهم في الدعوة إلى بعض معانيه، فكان إثبات وجود الله تعالى والاستدلال على ربوبيته، هو المقصد الأسمى من تلك المطالب العالية، ونسوا أو تناسوا أنهم بذلوا الكثير في تقرير ما هو مقرر لدى الكثير، وأعرضوا بما وهبوا من أفهام وألباب عن معرفة أن المراد غير المراد:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف: ١٠٦] وأن الناجى يوم {تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة: ١٨] هو {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: ٨٩].
وقد نتج عن هذا الانحراف الذي حصل في مفهوم التوحيد عند هؤلاء المتكلمين أن حرفوا معناه إلى ما يوافق ما ابتدعوا من أصول فاسدة، فأهملوا المراد الأسمى منه وهو الدعوة إلى إفراد الله تعالى بالعبادة.
هذا مع ما امتد إليه ذلك الانحراف من اضطراب وتضليل لمقتضيات الأدلة الشرعية فيما ينبنى على معرفة حقيقة التوحيد المنجى، فقد امتدت مخالفتهم إلى