للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: اعتقاد الوحدانية في الأفعال: وأرادوا به إثبات ربوبية الله تعالى ووحدانيته في التصرف، لكنهم مع ذلك أرادوا به نفى التأثير عن فعل غير الله تعالى، وهو ما يعرف بإبطال الأسباب، وقد أدخلهم هذا الاعتقاد في نطاق الجبر. (١)

الثالث: اعتقاد الوحدانية في الصفات؛ واشتمل هذا الاعتقاد على حق وباطل، حيث أرادوا به تنزيه الله تعالى عن مشابهة صفات المخلوقين؛ فوقعوا في شر مما فروا منه، حيث عطلوه عما ورد به وصفه في الكتاب والسنة.

وهذا المعنى الذي ذهبوا إليه قد ثبت بطلانه من جهات متعددة، منها مخالفته للغة العربية (٢) - لغة القرآن الكريم - كباقى مصطلحات المتكلمين التي قال فيها شيخ الإسلام: "إن عامة ألفاظهم الاصطلاحية لا يريدون بها ما هو المعروف في اللغة من معناها، بل معانى اختصوا بالكلام فيها نفيًا وإثباتًا؛ ولهذا قال الإمام أحمد فيهم: "يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم". (٣)

فعارضوا بذلك ما ورد في الكتاب والسنة، ومما يدل عليه أنه قد ورد لفظ الواحد والوحيد في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - بخلاف ما زعموا من نفى التركيب والتبعيض، فقد روى عن الإمام أحمد أنه حاج أحد المتكلمين في ذلك المعنى، حيث قال: "قد سمى الله رجلًا كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومى، فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: ١١] وقد كان هذا الذي سماه الله وحيدًا له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه وحيدًا بجميع صفاته، فالله - وله المثل الأعلى - هو بجميع صفاته إله واحد". (٤)


(١) سيتم بحثه في باب القدر بإذن الله: ٥٦٠.
(٢) جميع المعاجم اللغوية القديمة لا يوجد فيها هذا المعنى الذي ذهبوا إليه، وإنما وجد في بعض المتأخر منها كالمفردات ولسان العرب تأثرًا بآراء المتكلمين في هذا الباب.
(٣) بيان تلبيس الجهمية: (١/ ٤٧٤).
(٤) الرد على الجهمية والزنادقة: ١٣٤.

<<  <   >  >>