للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن في تفسير ما ورد في القرآن من لفظ الواحد أو الأحد، وفقًا لما ذهب إليه المتكلمون؛ إثبات للتناقض في كتاب الله تعالى، ويضرب شيخ الإسلام - رحمه الله - مثالًا لذلك بسورة الإخلاص، التي ورد فيها نفى مكافأة أحد لله تعالى مهما كان، فلو طبق هذا المعنى الذي ذهب إليه المتكلمون على الأحد المنفى هنا في قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، للزم منه مكافأة جميع الأجسام لله تعالى، وهذا محال، (١) وبطلان اللازم دليل على بطلان ملزومه.

ومما يدل على بطلان هذا المعنى، قصوره - عند الصاوى ومن سبقه من المتكلمين - عن تحقيق المراد الأسمى من التوحيد: إفراد الله تعالى بالعبادة، ودلالة هذا الأصل مستمدة من الكتاب والسنة، حيث دلت نصوص القرآن الكريم على تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاث: توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات (٢)، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في بدء الحديث عن التوحيد، فمن تلك النصوص، ما يثبت ربوبية الله تعالى على خلقه، وذلك ببيان انفراده في التدبير والتصريف، ومنها ما يدعو إلى إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وهذا هو توحيد الألوهية، ومنها ما يدل على إثبات صفات الكمال لله تعالى تعظيمًا وتنزيهًا، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات.

وكل هذه الاقسام ترتبط؛ لتدل على معنى التوحيد كما هو مستمد من الكتاب والسنة، فتوحيد الألوهية يدل على الربوبية بالتضمن؛ فما من محقق له إلا وهو محقق لتوحيد الربوبية من باب أولى، ومن ادعى خلافه فقد ادعى الجمع بين النقيضين.

أما توحيد الربوبية؛ فإنه يدل على الألوهية بالالتزام، بمعنى أن من أقر بأنه لا يستحق صفات الربوبية إلا الله تعالى؛ لزم ألا يعبد أحدًا سواه، وأى مخالفة لذلك


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية: (١/ ٤٩٤).
(٢) والذي ينبغى أن يعلم أن هذا التقسيم قد عرف منذ القدم عن السلف الصالح منهم الإمام الطحارى حيث ذكره في متنه المشهور، حيث قال: لا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره، انظر: أصول العقيدة الإسلامية التي قررها الإمام أبو جعفر الطحاوي: ٢٣ - ٢٦، تحقيق عبد المنعم العزى.

<<  <   >  >>