للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استبان الأوربيون ضعف الدولة الإسلامية وعدم قدرتها على الصمود أمام الحملات الشرسة التي كانت تشنها على عدد من أطرافها تجدد طمعهم في شن حملات صليبية، فكانت رحلات المكتشفين إرهاصات كشفت عن تلك النوايا الخبيثة، ومن تلك الرحلات التي أمت بلاد المسلمين: رحلة فولنى الذي أرسل إليها من قبل فرنسا، فقد مكث أربع سنوات في مصر والشام، لاستكشاف الأوضاع هناك، ثم عاد إلى وطنه مقدمًا لها تقارير عن حال بلاد الإسلام، وما أصيبت به من ضعف واضطراب، مما يؤكد عمالة هذا الرجل أنه في أثناء الحملة الفرنسية عين عضوًا في المجمع الفرنسى، وكان قبل ذلك أستاذًا للتاريخ في مدرسة المعلمين بباريس.

انتهزت حكومة الإدارة تلك الفرصة وعجلت بتنفيذ الحملة الفرنسية موجهة إياها إلى مصر، في يوليه: سنة ١٧٩٨ م، وقد ظنت لسوء أحوال الشعب هناك وما ذاقوه من ظلم المماليك أنهم سيقفون في صفها ويلقونها بالتهليل والترحيب إلا أنه وقع ما لم يكن بالحسبان، فالشعب المصرى المسلم لم يتقبل هذا النوع من الانقلاب العسكرى لأنه كان على علم بأنه لا يخرج عن الاحتلال الصليبى الذي يأنفه المسلم الأبى، ويبذل من أجل رفعه النفس والنفيس، فكرهوا أمر هذه الحملة ومقتوها مقتًا شديدًا.

وفى أثناء بقاء هذه الحملة في مصر حدث في أوربا ما أضر بفرنسا وذلك أن نابليون تسلل خفية إلى فرنسا في سنة ١٧٩٩ م، وبقى الجيش الفرنسى في مصر دون أن يبلغ أطماعه بعد، إلى أن تم انسحابه منها في نهاية المطاف بالاتفاق مع بريطانيا (١).

ومع عدم تحقق أحلام الطامعين في الانتصار إلا أن هذه الحملة قد مثلت طورًا انتقاليًا في خطوط التدافع بين الدولة العثمانية والعالم الغربى، فقد شكلت الحملة الفرنسية نقلة نوعية في مسار الصراع بين قوى الغرب الصاعد وبين دورة الاجتماع العثمانى. وتتمثل الخاصية الأساسية لهذه النقلة فيما انطوت عليه هذه الحملة من


(١) انظر: الشرق الإسلامى في العصر الحديث للأستاذ/ حسين مؤنس: ٧٣ - ٧٦.

<<  <   >  >>