للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن هذا المعنى يسنده فهم المشركين لهذه الكلمة الذين أنزل القرآن بلغتهم فإنهم حين أمروا بالإقرار بها لم يفعلوا، ولو كان معناها: لا خالق ورازق إلا الله -كما يعتقد المتكلمون - لما توانى المشركون عن التزامها، فإنهم حين ألزموا بها قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٥] (١) كل هذا يؤكد صحة ما ذهب إليه السلف في معنى شهادة التوحيد.

وكان هذا ما ذهب إليه الصاوى في حاشيته على الجوهرة وإن كان قد خالفه في الكثير من مؤلفاته خصوصًا حاشيته على الجلالين.

ولا شك أن في مخالفته التي تعددت منه متابعة للمتكلمين ما يلزم منه معارضة نصوص الكتاب والسنة والتى تدل صراحة على أهمية إفراد الله تعالى بالعبادة، وأنه المقصد الأسمى من التوحيد.

وإذا علم هذا بقى معرفة ما ينبنى على ذلك التصور من فساد يهدد المعتقد؛ إذ يؤدى إلى تضييق دائرة الشرك - ضد التوحيد - كما هو ظاهر من كلام الصاوى، حيث حكم على كافة الجن بأن كفرهم لم يكن بالشرك، وأن من وقع بالشرك من الإنس هم القليل، فخالف بذلك صريح النص من القرآن الكريم، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}.

- ويستند هذا التصور لحقيقة الشرك واتساع دائرته - كما هو واضح في الأدلة الشرعية - إلى مكانة العبادة ومنزلتها من الدين، فإذا كانت العبادة مما يدخل في صميم التوحيد باعتبارها قسم من أقسامه؛ فلا بد أن يمثل صرفها لغير الله تعالى شركًا أكبر ينافى التوحيد.

هذا ومن أعظم دواعى الشرك، الغلو في الأنبياء والصالحين؛ فالغلو هو السبب في أول شرك ظهر على وجه الأرض، روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون


(١) انظر: تيسير العزيز الحميد: ٧٦.

<<  <   >  >>