للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. (١)

لهذا كان تحذير النبي - عليه الصلاة والسلام - شديدًا من مجاورة الحد في مدحه، حيث قال: (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله). (٢).

ومن ذلك ما ورد في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت: لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشى أو خشى أن يتخذ مسجدًا" (٣).

وللغلو المنهى عنه مظهران عند الصاوى، الأول: الغلو في النبي، ويتمثل بما يصفه به من أوصاف تخرج به عن حدود البشر.

الثاني: غلو في الصالحين، ويتمثل بما يشرعه في حقهم من التبرك بذواتهم، وإباحة التعلق بأذيالهم والاستغاثة بهم.

أما ما يتعلق في حق النبي - عليه الصلاة والسلام - من حكاية قصة خلقه من نور الذات العلية بلا واسطة - تعالى الله عن ذلك - كما هو مشهور من أقوال المتصوفة (٤) فبطلانها أظهر من أن يستدل له؛ إذ فيه مخالفة صريحة لما هو معلوم عن قصة خلق الإنسان الأول: آدم - عليه السلام - كما وردت في كثير من الآيات الكريمة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: ٢٨].


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير - باب قوله تعالى: {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا}، رقم الحديث: ٤٩٢٠.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء - باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}، رقم الحديث ٣٤٤٥.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز - باب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما، برقم: ٣٩٠.
(٤) انظر: مجموع الأوراد والأدعية والاستغاثات للبكرى.

<<  <   >  >>