للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا إلى جانب ما يلمس في حكاية القصة من تأثر بأقوال النصارى في المسيح - عليه السلام -، ولا عجب؛ فالدارس لأدوار التصوف الأخيرة يلحظ بتمام تأثرًا واضحًا بالأديان المحرفة والفلسفات القديمة، يقول أحد الباحثين في علم التصوف (١): "والواقع أن الحقيقة المحمدية أسطورة من الأساطير وهى في رأينا مأخوذة من النظرية النصرانية كما أن النظرية النصرانية مأخوذة من الفلسفة اليونانية. . . خصوصًا إذا علمنا أن ابن عربى وهو من القائلين بهذه النظرية، يقول: إنه هضم ما درس من الفلسفة اليونانية ومن أصول الديانة اليهودية والديانة النصرانية والديانة الإسلامية، ثم أحال ذلك كله إلى مزاج من الفكر الفلسفى الدقيق يعز على من رامه ويطول" (٢)

كما أن اعتقاد الأصل النورى للنبي - عليه الصلاة والسلام -، وأنه يعلم الغيب، وأنه واسطة بين الخلق والرب، وأنه لولاه لما وجدت الدنيا والآخرة، كل هذا مما يجزم بدخوله على المعتقد الصحيح؛ إذ فيه مناقضة صريحة لكل ما هو معلوم من الدين بالضرورة، بل فيه إقرار لما ذهب إليه المشركون من استحالة إرسال البشر، وكم من الآيات تلك التي ترد على زعم أولئك الكفرة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٢٠] وحين كانت قريش تطلب منه المعجزات لإثبات نبوته أمر أن يقول: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٣].

كل هذا يؤكد بطلان تلك المزاعم وعلى رأسها ادعاء علم الغيب للنبي - عليه الصلاة والسلام -؛ إذ يعد علم الغيب من أخص ما يوصف به الرب سبحانه ولا ينبغى لأحد سواه، وقد ثبت هذا في كثير من آى الذكر الحكيم، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥].

وقال آمرًا سيد الأنام أن يقول: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ


(١) زكى مبارك دكتور في الفلسفة.
(٢) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق: (١/ ٢٠١).

<<  <   >  >>