للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقى الأمر على ما كان عليه، إلى أن ظهرت البدع، فخرج ممن ينتسب إلى الإسلام بما يخالف منهج السلف في ذلك الاعتقاد، وكان هذا على يد الجعد بن درهم، الذي تأثر كثيرًا بأقوال الكفرة من الفلاسفة (١) وغيرهم، حتى قام بتعطيل الرب عن الصفات الثبوتية، وزعم أن فيها ما ينافى عقيدة التوحيد (٢) وقام تلميذه الجهم بن صفوان بنشر هذه البدع، حتى كان سببًا في ضلال كثير من الخلق، وسمى أتباعه بالجهمية، وصارت بذلك أصلًا لكل انحراف فيما يجب في حق الله تعالى، أو يمتنع عنه (٣).

وقد انتقل هذا الانحراف العقدي الخطير إلى المعتزلة، حيث منع مؤسسها: واصل بن عطاء من وصف الله تعالى بصفات قديمة، بحجة أن في اعتقادها إثباتًا لتعدد القدماء (٤)، وقد تأثروا في هذه المقولة بردهم على ما ادعته النصارى في التثليث، حيث زعمت أن معتقدها فيه يقوم على إثبات ثلاثة أقانيم لواحد قديم (٥)، ولا شك أن هذه الدعوى باطلة شرعًا وعقلًا، ولا مجال لإفحامهم هنا، ولكن المقصود أن هذا ليس بملزم لهؤلاء المعتزلة أن يقوموا بنفى الصفات للرد على أولئك الكفرة، بل جل ما هنالك أنهم انحرفوا عن منهج السلف في بيان الحق والرد على المخالف، وتأثروا بما وصل إليهم من كت الفلاسفة (٦). وقد تقدم أن مادة هذا الفكر مستقاة من شبهة الفلاسفة في التركيب، حيث اعتمدوا في إثبات التوحيد على نفيه.


(١) سبقت الإشارة إلى بيان معتقدهم في الأساس الذي بنى عليه معقدهم في التوحيد: ١٦٩.
(٢) انظر: بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام (١/ ٢٧٧)، مجموع الفتاوى: (٥/ ٢٢).
(٣) انظر: الفتاوى: (١٢/ ٥٢٤) وانظر: مقالات الإسلاميين: (١/ ١٨١) والفرق بين الفرق للبغدادى: ٢١٣.
(٤) انظر: الملل والنحل للشهرستانى: (١/ ٤٥).
(٥) قد سبقت الإشارة على هذا التأثر عند الكلام في معتقد المتكلمين في التوحيد: ١٦٥.
(٦) انظر: مقالات الإسلاميين: ١٥٦. الملل والنحل للشهرستانى: (١/ ٥٠).

<<  <   >  >>