للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدلالة الأسماء على الصفات، حيث أوجبوا تأويل بعضها بما لم يرد فيه نص يعول عليه في مثل هذه المهمات، وهذا ما رده سلف الأمة، ودللوا على بطلانه بمخالفته صريح الكتاب والسنة، ولما كان عليه الصحابة والتابعين من التسليم والإذعان لكل ما ورد فيهما.

وكان للسلف الصالح إلى جانب ما تقدم مزيد بيان في المسائل المتعلقة بأسمائه تعالى، كلها تؤكد خطأ ما اعتقده الصاوي في أن منها ما يقتضى ظاهره مخالفة للكمال فلا بد إذًا من تأويله، وهذا ما تقتضيه حقيقة وصفه تعالى لأسمائه بأنها حسنى، حيث يرجع هذا الوصف إلى عدة مسائل من أهمها:

دلالة أسماء الله تعالى على الصفة والعلمية، يوضحه أن كل اسم منها علم يدل على الذات، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠] يقول الإمام الدارمي (١): "فهذه كلها أسماء لم تزل له كما لم يزل، بأيها دعوت فإنما تدعو الله نفسه". (٢)

ومع دلالتها العلمية على الذات، فإن كل واحد منها يدل على صفة كمال لله تعالى، دل عليها اتصافها بالحسن على جهة التفضيل المطلق، إذ يقتضى ذلك كمال ما تضمنته من معانٍ، وهذا من جهتين:

الأولى: دلالتها على كل معنى يليق بجلال الله تعالى، وعظيم سلطانه.

الثانية: تنوع تلك المعانى الكاملة وتعددها، فالغفور يدل على معنى مغاير للسميع، وما يدل عليه العظيم ليس هو ما يدل عليه البصير. (٣)

كل هذا يؤكده اشتقاق الأسماء من معانٍ، إذ موجب الاشتقاق وجود ما اشتق منه، وإلا كان ذلك الاشتقاق محال، قال في المراقى:


(١) هو الإمام العلامة الحافظ أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمى السجستانى، له مسند كبير وجهود في دحض شبه المبتدعة، توفى سنة: ٢٨٠ هـ، انظر: شذرات الذهب: (٢/ ١٧٦)، وتذكرة الحفاظ: (٢/ ٦٢٢).
(٢) نقض الإمام أبى سعيد عثمان بن سعيد على المريسى: (١/ ١٨٣).
(٣) انظر: الدرء: (٥/ ٥٢، ٥٣).

<<  <   >  >>