وعند فقد الوصف لا يشتق ... وأعوز المعتزلى الحق. (١)
ومما يقتضيه وصف الله تعالى لأسمائه بأنها حسنى، أن تكون هذه الأسماء حقيقة في الخالق - جل في علاه - فلا يشاركه في معانيها أحد، فإن الصفة إذا أضيفت للمولى تعالى علم تنزهها عن المماثلة بصفات غيره، فإن القدر المشترك من صفة السمع مثلًا ليس له وجود إلا في الذهن أما في الحقيقة فإنه لا يكون إلا مضافًا ومتعلقًا بموصوفه وحينها يأخذ حكمه من حيث وجود المماثل أو عدمه، ولما كانت ذاته تعالى ليس لها مثيل ولا نظير وقد أقر بذلك كافة أهل التنزيه كانت صفاته لها نفس الحكم، فالقول في الذات كالقول في الصفات.
وهذا ما يقتضيه وصفها بالحسن، إذ يعنى تنزيهها عن خصائص البشر، وبهذا يعلم خطأ الصاوي الذي أوقعه فيه ما كان عليه من تصوف, حيث جعل الإحصاء في حق أهل الله هو: الاتصاف بها, والظهور بحقائقها. . . إلى آخر ما ذكر.
فإن أسماء الله تعالى وصفاته لا تنبغي لأحد سواه، ولم يأمر أحد من خلقه أن يقتدى به في ذلك، وإنما جعل الاقتداء فيما اتصف به النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفات حميدة بلغ بها ذروة الكمال البشرى، حتى امتدحه الله تعالى بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤] لذا أمر المولى تعالى عباده بالاقتداء به، حيث قال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: ٢١]
يوضح هذا أن الواجب في أسماء الله تعالى وصفاته إنما يستفاد من جهة الشارع الحكيم، فالله تعالى أعلم بما يجب في حقه، ونبيه أعلم بمراد ربه، ولم يرد نص من كتاب ولا سنة تفيد ما ذهب إليه الصاوي من أن الإحصاء في حق الخواص هو الظهور بحقائق الأسماء والتجلى بها، بل كل ما ورد في معنى إحصائها - غير الحفظ - من أقوال السلف فإنه يرجع إلى حقيقة التعبد المأمور به.