للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وهذه طريقة الكمل من السائرين إلى الله. وهى طريقة مشتقة من قلب القرآن، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}. والدعاء بها يتناول دعاء المسألة، ودعاء الثناء، ودعاء التعبد، وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها". (١)

والله تعالى يحب أن يتصف العباد ببعض موجب أسمائه وصفاته، فهو حيى يحب الحياء، ستير يحب الستر، كريم يحب الكرم، جميل يحب الجمال، ولكن عند اتصاف العبد بهذه الصفة فإنها تصبح حقيقة فيه يختص بها لا علاقة لها بما اتصف به الرب، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: فـ "العبد كلما ازداد تحقيقًا لهذا الفرق، ازدادت محبته لله وعبوديته له وطاعته له، وإعراضه عن عبادة غيره ومحبة غيره وطاعة غيره". (٢)

وبهذا يعلم أن ما فسر الصاوي به الإحصاء المندوب إليه قد خرج عن الوجه الشرعي إلى ما يسمى عند أهل التصوف بالفناء عن شهود السوى، فيتدرج في هذا المقام إلى أن يصل إلى درجة البقاء، فلا يشهد سوى الذات متصفة بالصفات، وهذه هي بوابة القول بالحلول والاتحاد، فمنهم من وقف عند هذا الحد، ومنهم من شطحت به هذه المعانى إلى أن وصل إلى درجة الفناء عن وجود السوى (٣)، فبات لا يرى فارقًا بينه وبين الرب. (٤) "فليعط اللبيب هذا الموضع حقه من التأمل؛ فإنه مزلة أقدام، ومضلة أفهام". (٥)

والأمر على كل حال يعد من الإلحاد الذي حذر منه المولى سبحانه، فبعد أن بين تعالى الوجه المشروع تجاه أسمائه وصفاته الحسنى وهو دعاءه بها وفق ما أخبر


(١) مدارج السالكين: (١/ ٤٢٠، ٤٢١).
(٢) العبودية: ١٥٥.
(٣) كحال ابن عربى وأمثاله.
(٤) انظر: المرجع السابق ١٥٧، ١٥٨. وهذا ما سيزداد إيضاحه في باب التصوف إن شاء الله: ٧٠٠.
(٥) مدارج السالكين: (١/ ٤٢١).

<<  <   >  >>