أما المتأخرون فلا يثبتون شيئًا من صفات الإخبار لا الذاتية ولا الفعلية على الحقيقة ويردونها إلى الصفات السبع التي قام دليلهم العقلى على إثباتها ورد ما عداها، يقول الآمدي في بيان هذا الأصل المعتمد عندهم في الرد والإثبات مقننًا بالشبه العقلية:"وأما ما قيل بثبوته من باقي الصفات؛ فالمستند فيها ليس إلا المسموع المنقول دون قضيات العقول، . . .، واعلم أن هذه الظواهر وإن وقع الاغترار بها، بحيث يقال بمدلولاتها، ظاهر من جهة الوضع اللغوى، والعرف الاصطلاحى، فذلك لا محالة انخراط في سلك نظام التجسيم، ودخول في طرف دائرة التشبيه، وسنبين ما في ذلك من الضلال وفى طيه من المحال إن شاء الله بل الواجب أن يقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
فإن قيل بأن ما دلت عليه هذه الظواهر من المدلولات وأثبتناه بها من الصفات ليست على نحو صفاتنا، ولا على ما نتخيل من أحوال ذواتنا، بل مخالفة لصفاتنا كما أن ذاته مخالفة لذواتنا، وهذا مما لا يقود إلى التشبيه ولا يسوق إلى التجسيم، فهذا وإن كان في نفسه جائزًا، لكن القول بإثباته من جملة الصفات يستدعى دليلًا قطعيًا، وهذه الظواهر وإن أمكن حملها على مثل هذه المدلولات فقد أمكن حملها على غيرها أيضًا، ومع تعارض الاحتمالات وتعدد المدلولات فلا قطع، وما لا قطع عليه من الصفات، لا يصح إثباته للذات" (١)
فهذا النص يبين منهجهم في سبيل إرجاع جميع الصفات الخبرية إلى ما تقدم من الصفات الذاتية، ولهم في ذلك حجج سبقت الإشارة إليها عند الحديث عن منهج الصاوى في مسائل الاعتقاد ولعلى أشير إلى أهمها هنا؛ لمحل التلازم بين المنهج والنتيجة، حيث اعتقدوا في أن في إثباتها اعتقاد التمثيل الذي قام الدليل العقلى على منعه، فاعتمدوا منهج التأويل، أو التفويض لدفع إثبات ما تقتضيه النصوص الشرعية التي تضمنت تلك الصفات.