فلفظ الجسم لم ينطق به الوحى إثباتًا؛ فتكون له حرمة الإثبات، ولا نفيًا، فيكون له إلغاء النفى، فمن أطلقه نفيًا أو إثباتًا سئل عما أراد به، فإن قال: أردت الجسم معناه في لغة العرب، وهو البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه ولا يقال للهواء جسم لغة ولا للنار ولا للماء، فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا فهذا المعنى منفى عن الله عقلًا وسمعًا، وإن أردتم به المركب من المادة والصورة أو المركب من الجواهر الفردة؛ فهذا منفى عن الله قطعًا، والصواب نفيه عن الممكنات أيضًا فليس الجسم المخلوق مركبًا من هذا ولا من هذا.
وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات، ويرى بالأبصار، ويتكلم ويكلم، ويسمع ويبصر، ويرضى ويغضب؛ فهذه المعانى ثابتة للرب تعالى، وهو موصوف بها، فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسمًا؛ كما أنا لا نسب الصحابة لأجل تسمية الروافض لمن يحبهم ويواليهم نواصب، ولا ننفى قدر الرب ونكذب به لأجل تسمية القدرية لمن أثبته جبريًا، ولا نرد ما أخبر به الصادق عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله لتسمية أعداء الحديث لنا حشوية، ولا نجحد صفات خالقنا وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه؛ لتسمية الفرعونية المعطلة لمن أثبت ذلك مجسمًا مشبهًا، فإن كان تجسيمًا ثبوت استوائه على عرشه إني إذًا لمجسم، وإن كان تشبيها ثبوت صفاته فمن ذلك التشبيه لا أتكتم، وإن كان تنزيهًا جحود استوائه وأوصافه، أو كونه يتكلم؛ فعن ذلك التنزيه نزهت ربنا بتوفيقه، والله أعلى وأعلم". (١)
ولا شك أن هذا هو حال ما أدخل في الدين من البدع والمحدثات؛ لأنها كما سبق وأن ذكرت لا تشتمل على البرهان الذي يتم به العلم اليقينى، فغالب ما عليه أهل البدع ألفاظ مجملة، لا يجزم فيها بقول على جهة التحقيق؛ لذا نبه علماء السلف على وجوب الحذر منها وتفصيل القول فيها؛ حتى لا يرد حق ويقبل باطل بسببها.
(١) الصواعق المرسلة: (٣/ ٩٣٩ - ٩٤٣). وسيأتي نقد كل تأويل لهذه الصفات مفصلًا بحول الله تعالى في المباحث التالية.