للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا من خصيصة صفة الوجه، ولكن من جهة نسبة الوجوه إلى جملة الذات فيما يثبت للذات من الماهية المركبة بكمياتها وكيفياتها وصورها، وذلك أمر أدركناه بالحس من جملة الذات فكانت الصفة مساوية للذات في موضعها بطريق أنها منها ومنتسبة إليها نسبة الجزء إلى الكل، فأما الوجه المضاف إلى الباري تعالى فإنا ننسبه إليه في نفسه نسبة الذات إليه، وقد ثبت أن الذات في حق الباري لا توصف بأنها جسم مركب من جملة الكمية وتتسلط عليه الكيفية ولا يعلم له ماهية، فالظاهر في صفته التي هي الوجه أنها كذلك لا يوصل لها إلى ماهية، ولا يوقف لها على كيفية، ولا تدخلها التجزئة المأخوذة من الكمية لأن هذه إنما هي صفات الجواهر المركبة أجسامًا والله يتنزه عن ذلك، ولو جاز لقائل أن يقول ذلك في السمع والوجه والبصر وأمثال ذلك في صفات الذات لينتقل بذلك عن ظاهر الصفة منها إلى ما سواها بمثل هذه الأحوال الثابتة في المشاهدات لكان في الحياة والعلم والقدرة أيضًا كذلك فإن العلم في الشاهد عرض قائم يقدر نفيه بطريق ضرورة أو اكتساب، وذلك غير لازم مثله في حق الباري لأنه مخالف للشاهد في الذاتية غير مشارك في إثبات ماهية ولا مشارك لها في كمية ولا كيفية وهذا الكلام واضح جلى". (١)

وهذا ما بينه الإمام ابن القيم - رحمه الله - على جهة الإجمال حيث يقول: فاعتقد نظار المتكلمين على تعدد شبههم بأن من وصف بهذه الصفات الخبرية" لم يكن إلهًا واحدًا، وكان هناك آلهة متعددة، وقدماء متغايرة، وأعراضًا، وأبعاضًا، وحدودًا، وجهات، وتكثر، وتغير، وتحدد، وتجرد، وتجسم، وتشبيه، وتركيب، وأكثر الناس إذا سمعوا هذه الألفاظ نفرت عقولهم من مسماها، ونبت أسماعهم عنها، وقد علم المؤمنون المصدقون للرسول العارفون بالله وصفاته وأسمائه أنكم توسلتم بها إلى نفى صفاته وأفعاله وحقائق أسمائه؛ فلم ترفعوا بها رأسًا، ولم تروا لها حرمة، ولم ترقبوا فيها ذمة، وغرت ضعاف العقول الجاهلين بحقائق الإيمان فضلوا بها وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل.


(١) بيان تلبيس الجهمية: ٣٧ - ٣٨.

<<  <   >  >>