الغائب على الشاهد، شيخ الإسلام - رحمه الله -؛ فنبه إلى أن هذه الصفات لا يمكن ردها لإيهام التجزئ والتركيب فإن هذا إنما يصح في حق المخلوقات المكونة من الجواهر والأجرام، ومع ذلك فلا يصح تأويلهم لها لتدل على الذات كالوجه مثلًا، وذلك لدلالة اللغة التي خاطبنا القرآن بها، فقد علم ضرورة أن هذه التسميات يراد بها صفة مخصوصة تكون دالة عليها، يقول - رحمه الله -: "قالوا إذا حملتم الأمر على هذا الظاهر، وبطل أن يراد بها إلا الوجه الذي هو صفة يستحقها الحى، فالوجه الذي يستحقه الحى وجه هو عضو وجارحة، يشتمل على كمية تدل على الجزئية، وصورة تثبت الكيفية، فإن كان ظاهر الأوصاف عندكم إثبات صفة تفارق في الماهية، وتقارب فيما يستحق بمثله الاشتراك في الوصف، فهذا هو التشبيه بعينه، وقد ثبت بالدليل الجلى إبطال قول المجسمة والمشبهة، وما يؤدى إلى مثل قولهم فهو باطل.
قلنا: الظاهر ما كان متلقى في اللفظ على طريق المقتضى، وذلك مما يتداوله أهل الخطاب بينهم حتى ينصرف مطلقه عند الخطاب إلى ذلك عند من له أدنى ذوق ومعرفة بالخطاب العربي واللغة العربية، وهذا كما نقول: في ألفاظ الجموع وأمثالهم إن ظاهر اللفظ يقتضى العموم والاستغراق وكما نقوله: في الأمر إن ظاهره الاستدعاء من الأعلى للأدنى يقتضى الوجوب إلى أمثال ذلك مما يرجع فيه إلى الظاهر في المتعارف، فإذا ثبت هذا فلا شك ولا مرية على ما بينا أن الظاهر في إثبات صفة هو إذا أضيف إلى مكان أريد به الحقيقة أو أريد بها المجاز، فإنه لا ينصرف إلى وهم السامع أن المراد بها جميع الذات التي هي مقولة عليها، وهذا مما لا نزاع فيه والمقصود بهذا إبطال التأويل الذي يدعيه الخصم، فإذا ثبت هذا وجب أن يكون صفة خاصة بمعنى لا يجوز أن يعبر بها عن الذات ولا وضعت لها إلا على سبيل الحقيقة ولا على سبيل المجاز، فأما قولهم: إذا ثبت أنها صفة إذا نسبت إلى الحى ولم يعبر بها عن الذات وجب أن تكون عضوًا وجارحة ذات كمية، وكيفية فهذا لا يلزم من جهة أن ما ذكروه ثبت بالإضافة إلى الذات في حق الحيوان المحدث