للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما امتنعوا عن إثباته مطلقًا لعدم الدليل المقتضى لإثباته، فصاروا على ذلك التفصيل في كل ما أحدثه المتكلمون في نفى الصفات وإثباتها، يقول الإمام ابن القيم في رد شبهتهم بنفى الجهة منعًا للتجسيم: "والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية ونحن نقول إن إثبات هذا كله غير لازم فإن الجهة غير المكان وذلك أن الجهة هي إما سطوح الجسم نفسه المحيطة به وهى ستة وبهذا نقول إن للحيوان فوقًا وأسفل ويمينًا وشمالًا وأمامًا وخلفًا وإما سطوح جسم آخر يحيط بالجسم ذى الجهات الست فأما الجهات التي هي سطوح الجسم نفسه فليست بمكان للجسم نفسه أصلًا وأما سطوح الأجسام المحيطة به فهى له مكان مثل سطوح الهواء المحيط بالإنسان وسطوح الفلك المحيط بسطوح الهواء هي أيضًا مكان للهواء". (١)

وقال - رحمه الله - في نفى اليدين والوجه بحجة التجسيم: "وسموا الموصوف بالصفات جسمًا، وسموا من له وجه ويدان جسمًا، ثم نفوا الجسم عن الصانع، وأوهموا أنهم ينفون معناه لغة وقصدهم نفى معناه اصطلاحًا؛ فسموه بخلاف اسمه في اللغة، ونفوا به ما أثبته الرب لنفسه من صفات الكمال، وكذلك سموا صفاته أعراضًا؛ ثم نفوا عنه الأعراض بالمعنى الذي اصطلحوا عليه، لا بالمعنى الذي وضعت له ألفاظ الأعراض في اللغة، وكذلك سموا أفعاله حوادث ثم نفوها عنه بالمعنى الذي اصطلحوا عليه لا بمعناه في اللغة". (٢)

- وهذا ما يقال في الكلية والجزئية، فالمراد بها عند المتكلمين كل ما يوهم التقسيم والتجزئ عندهم من الصفات، فقد بين الصاوي قيام التنزيه على نفيها، وهذا ما لا يسلم لهم مطلقًا، فالصحيح أنه لا يلزم من إثباتها ما ذكروه من التقسيم والتجزئ.

وقد بين ضلالهم في هذه الشبهة التي اعتمدوا في إعمالها لرد هذه الصفات قياس


(١) الصواعق المرسلة: (٢/ ٤٠٧). وانظر: مناهج السنة لشيخ الإسلام: (٢/ ٦١٤).
(٢) الصواعق المرسلة: (٢/ ٦٧٣).

<<  <   >  >>