للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفى نقض هذا الأساس الذي اعتمد عليه الصاوي في التنزيه نرجع إلى ما سبق بيانه من أن هذا مسلكًا باطلًا، وليس فيه ما يثبت الحدوث، فليس كل ما لم يخل من الحوادث حادثًا؛ لوجود الفرق بين ما لا يخلو من جنس الحوادث، أو ما لا يخلو من بعضها - كما بينت سابقًا - (١).

هذا إلى جانب أن هذه الصفات التي نفوها لأنها من الأعراض والحوادث هي من صفات الكمال التي يعد نفيها نقصًا ينزه المولى تعالى عنه، يقول شيخ الإسلام: "وبكل حال فمجرد هذا الاصطلاح، وتسمية هذه - أي الصفات الاختيارية - أعراضًا وحوادث لا يخرجها عن أنها من الكمال الذي يكون المتصف به أكمل ممن لا يمكنه الاتصاف بها، أو يمكنه ذلك ولا يتصف بها". (٢)

وبهذا يكون الاستدلال على نفى الصفة عن الله تعالى؛ اعتمادًا على أنها توجب اتصافه تعالى بما هو من خصائص الحوادث، كالعرضية، باطلًا ليس له أصل من نقل ولا عقل ولا لغة، وكل ما لم يثبت له أصل، بطل الاعتماد عليه في أصول العقائد.

- ومن جملة ما اعتمد الصاوي رده تأويلًا أو تعطيلًا بناء على شبهة الحدوث كل صفة توهم الجرمية كإثبات المحل والجهة، والصفات الخبرية الفعلية؛ كالاستواء والنزول، والصفات الخبرية الذاتية؛ كاليد والوجه والقدم.

ولا شك أن ردهم لهذه الصفات خوفًا من إيهام الجرمية والتجسيم، لا يصح؛ لأنه تعالى أثبتها لنفسه وأثبتها له نبيه؛ فهو أعلم بما يتصف به، ونبيه أعلم بمراد ربه، ولو كان في إثبات هذه الصفات على ظاهرها ما يخل بمقتضى التعظيم والتنزيه الواجب لله تعالى لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أول من بين لنا هذا، ولما علم انتفاء ذلك البيان؛ دل ذلك على انتفاء ملزومه من التنزيه عن إثباتها على ظاهرها، ولهذا السبب فصل علماء الأمة في نفى الجسم وإثباته، فامتنعوا عن نفيه بالمعنى الذي فهمه المتكلمون، والذي حملهم على رد الكثير من نصوص الكتاب والسنة لأجله.


(١) انظر: بحث الاستدلال على وجود الله تعالى: ١٤٣.
(٢) مجموع الفتاوى: (٦/ ٩٤). ويأتي النقد مفصلًا في كل صفة بعينها بإذن الله.

<<  <   >  >>