للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسوله، هذا إلى جانب أن هذه المصطلحات لما كانت من البدع؛ لم تكن حجة في الرد على شبه المخالفين، وهذا ما أوقع المتكلمين في الاضطراب بين جانب النفى والإثبات؛ مما جعل للمخالفين من المعتزلة وغيرهم سبيلًا للتطاول عليهم فيما أثبتوه من الصفات. (١)

ثالثًا: قد سبقت الإشارة إلى أن التنزيه عند المتكلمين يقوم على أساس مخالفة الله تعالى للحوادث، فكل واحدة من الصفات السلبية عندهم ترجع إلى هذا المعنى، وقد أوضح الصاوي المراد من ذلك حين أتى إلى هذه الصفة، وبين أنها تعنى سلب الجرمية والعرضية، فإنه حين أثبت حدوثهما عند استدلاله على حدوث العالم، جعل أساس ما يقوم عليه التنزيه هو نفى هذه المعاني عن الله، ونفى كل وصف يستلزم اتصافه تعالى بها.

فالعرضية التي تعنى إثبات الأعراض وهى الصفات الاختيارية المتجددة يوجب الصاوي نفيها عن الله تعالى، وسيأتي بيان موقفه من هذه الصفات مفصلة، فقد نفى الإرادة الحادثة المتعلقة بالإرادة القديمة، والتى ثبت اتصافه تعالى بها عقلًا (٢) وشرعًا، كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، ونفى جميع الصفات الفعلية المتجددة التي تتعلق بها، وأرجع إثباتها إلى محض الاعتبار، الذي يجعلها تتأرجح بين الوجود والعدم، فتشبه بذلك الأحوال عند المعتزلة، والصاوي لنفس الشبهة مع غيرها من الشبه التي سيأتي بيانها في موضعها المحدد بإذن الله؛ يؤول الكلام المستقبلي لله تعالى، الذي أخبرت به النصوص ويرجعه إلى الكلام النفسي القديم المعبر عنه بلفظ حادث مخلوق، وكذلك الغضب والرحمة والنزول والضحك والمجئ وكل صفة اعتقد في إثباتها على ظاهرها ما يوهم إثبات الأعراض للذات العلية.


(١) انظر: التدميرية: ١٣٣.
(٢) وقد بينت هذا في مبحث الاستدلال على وجود الله، فقدمت أن في نفى هذه الصفة عن الله تعالى ما يلزم منه منع إثبات حدوث المخلوقات وقدم خالقها، كما هو معتقد الأشاعرة النافين لهذه الصفات الاختيارية انظر: ١١١.

<<  <   >  >>