للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك الوقت؛ مما يؤدى إلى تجويز السكوت عليه قبل إنشائه له، وقيام الحوادث به ومعلوم أن هذا عنده من المحال، كما أنه حتى يقرر ما عليه مذهب الأشاعرة من أن الكلام معنى واحدًا؛ يقول في وصف سماع موسى - عليه السلام - لكلامه تعالى: أي "أزال الحجاب عنه حتى سمع كلامه بجميع أجزائه من جميع جهاته لا أن الله أنشأ له الكلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى دائمًا متكلم يستحيل عليه السكوت والآفة". (١)

ولإزالة ما يحصل بالنفس من استبعاد لمثل هذا السماع الذي يحصل بلا صوت ولا حرف على حد قوله، فإنه يرجع الأمر لقدرة الله تعالى فـ "كما يكون لنا في الآخرة عند رؤية ذاته جل شأنه بلا كيف ولا انحصار" جاز سماعه - عليه السلام - له بهذه الكيفية. (٢)

ثم لما تعارف الناس على أن هذا القرآن هو كلام الله تعالى مع أنه بحرف كما هو معلوم بين أن هذا من حيث المجاز لا الحقيقة الشرعية، يقول: "واعلم أن كلام الله يطلق بالاشتراك على الحسي وعلى النفسي، الذي هو الصفة القديمة، فهو حقيقة عرفية في كل، فالحسي ما كان بحرف وصوت مدلوله بعض مدلول الكلام النفسي القديم القائم بذاته تعالى، والنفسى ما ليس بحرف ولا يوصف بتقديم ولا تأخير ولا تقسيم ولا بداية ولا نهاية". (٣)

ودليله في ذلك بيت الأخطل المشهور عند الأشاعرة:

إن الكلام لفى الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلًا (٤)." (٥)

وهو مع هذا ينسب لفظه ومعناه إلى الله تعالى، فالمعنى هو كلامه النفسى القديم، ولفظه هو الذي أوجده فتلقه عنه جبريل ومن ثم محمد - صلى الله عليه وسلم -: "والحاصل


(١) حاشية الجلالين: (٢/ ٨٩).
(٢) المرجع السابق: (٣/ ٢٠٣).
(٣) حاشية جوهرة التوحيد: ٢٥.
(٤) البيت لا يوجد في ديوان الأخطل المطبوع: انظر: ديوان الأخطل، شرح راجى الأسمر، دار الكتاب العربي.
(٥) حاشية الخريدة البهية: ٨٥.

<<  <   >  >>