للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم كيف يصح نسبة الكلام إلى صفة من صفات الذات العلية، فإن طلب الدعاء الوارد في الحديث الشريف مما يؤكد وجوب نسبة النزول للرب تعالى، كما يليق بجلاله لا إلى صفة هي من آحاد صفاته الذاتية.

هذا مع أن الرحمة مما لا يتوقف نزوله إلى السماء الدنيا، بل هي مما ينزل إلى الأرض ويعم من فيها في كل وقت بإذن الله (١)، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦].

هذا والإمام ابن القيم - رحمه الله - يشنع كثيرًا على من اعتقد في إثبات النزول للمولى تعالى ما يوهم مماثلته لنزول المخلوقين، وقد استدل على ذلك بالحديث السابق والتصريح فيه بنسبة النزول إلى الرب تعالى، مما يدل على إرادة الحقيقة، ويدفع توهم المجاز بحال، هذا وفى كثرة رواته من الصحابة الذين بلغ عددهم قرابة الثلاثين دليل أيضًا على تكرر ذلك من المصطفى في كل مكان، دون أن يكون ثمة حرج وقع منه أو منهم في الإخبار عن الرب بذلك، كل هذا يؤكد المصداقية التي التزمها السلف في فهم مثل هذه النصوص، التي تدل على مدى التسليم بكل ما أخبر به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. (٢)

- وكذلك تأويل المجيء والإتيان لله تعالى، كما ينبغى له سبحانه بمجيء الأمر، مما لا تؤيده تلك النصوص التي ورد فيها، بل كل ذلك هو من قبيل التأويل الذي لا يستند إلى قرينة لا من داخل النص ولا من خارجه؛ فكله في الحقيقة إنما يرجع إلى تحكم محض، لا تقبله قواعد اللغة العربية التي بها نزل القرآن الكريم، قال تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: ٢٨].

- فالنصوص الشرعية إنما تدل حقيقة على مجيء المولى للفصل يوم القيامة، وبهذا فسر أئمة السلف هذه الصفات، بلا تكييف ولا تحريف. (٣)


(١) انظر: إبطال التأويلات لأبي يعلى: (١/ ٢٦٤).
(٢) انظر: مختصر الصواعق المرسلة: ٤٢٤.
(٣) انظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن: (٣٠/ ١٨٥).

<<  <   >  >>