للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنهما -. (١) وقد أيد الصاوى هذا التأويل؛ مستدلًا بتأويل حبر الأمة، ولكنه لوقوفه على الحديث الشريف حيث رواه مطولًا في التفسير، رأى أنه لا يمكن تأويل الساق بشدة الموقف، وذلك لتصريح الخبر بنسبة الساق إلى الرب تعالى (٢)، فاختار أن يكون الكشف هنا عن الحجاب، ولكن هذا التأويل لا تسنده لغة العرب، وليس هو مما عهد عنهم، وإنما كان محاولة من الصاوى للخروج من الإلزام الذي وجد نفسه لا يستطيع التخلص منه بتأويل الساق في الحديث بالشدة، كما فسرت الآية الكريمة من بعض العلماء.

والحق أن الساق في الآية الكريمة إنما هو صفة من صفات الرحمن، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فيحمل المتشابه على المحكم؛ لأن الحديث قد أوضح المراد على جهة لا تدع لإرادة المجاز سبيلًا إلى النص.

وذلك أنه مما قد تقرر في الأصول أن السنة المطهرة هي المرتبة الثانية من مراتب التشريع بعد القرآن الكريم، فهى مفسرة لما أبهم، مبينة لما أجمل؛ لهذا فإن الكثير من السلف قد فسر الساق في الآية الكريمة بإثبات الصفة للمولى تعالى بما يليق بجلاله وعظمته؛ استدلالًا بالحديث الشريف، ولا بد من بيان أمر مهم نبه إليه الإمام ابن القيم - رحمه الله - أنه لم يحدث النزاع بين الصحابة على إثبات الصفة نفسها، وإنما في دلالة الآية القرآنية على إثباتها، أما من بلغه الحديث من الصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم - فلم يثبت عن أحد منهم أنه أراد حمله على غير ظاهره، هذا وقد حكى الإمام حجة من أثبت الصفة من الآية الكريمة من لغة العرب أنفسهم ورد قول من فسرها بكشف الشدة، فقال: "فإن لغة القوم أن يقال: كشفت الشدة عن القوم لا كشفت عنها، كقوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ} [الزخرف: ٥٠] " (٣)


(١) انظر تفسير ابن جرير الطبري: (٢٩/ ٣٩).
(٢) انظر: إبطال التأويلات لأبي يعلى: (١/ ١٥٩).
(٣) مختصر الصواعق المرسلة: (١/ ٣٨).

<<  <   >  >>