للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتجاه الأشاعرة وغيرهم، فقد شدد في أمرهم وبين مكمن الخطورة التي تتأتى من تقعيد المبدأ والتنظير له، حتى كتبت المؤلفات وفندت أقوال المخالفين كل ذلك في سبيل التأصيل لهذه البدعة التي عمت أرجاء الأمة المسلمة.

وقد اختلف في أول من عرف عنه الإرجاء من الفقهاء، فقيل إن أول من تحدث به: حماد بن أبي سليمان (١) شيخ أبي حنيفة - رضي الله عنهم - (٢).

هذا والتعريف الذي يجمع عليه أهل الفقه من المرجئة هو أن الإيمان: ما وقر في القلب من التصديق، وأقر به اللسان. (٣)

وقبل البدء بعرض أقوال الأشاعرة في تعريف الإيمان، لا بد من الوقوف على الداعى الذي حدى بهم إلى مثل هذا القول، وذلك أنه مما تفاقم شره في بلاد الإسلام إبان ترجمة كتب اليونان التأثر الواضح بأقوال الفلاسفة في تعريف الأشياء وفهمها، وقد كان مقرر لديهم أنه لا تنال التصورات، الغير بدهية إلا بالحد، وتبعهم بذلك طوائف أهل الإسلام، فرأوا إن يضعوا حدًا يميز لهم الإيمان على طريقة أولئك القوم، بعيدًا عن أقوال الخوارج المتعصبين.

ولما كان الحد هو ما تكون من الذاتيات المشتركة والمخصصة، أي: الجنس والفصل، وجدوا أن التصديق هو خير من يقوم بهذه المهمة؛ إذ العمل لا يمكن أن يكون من الذاتيات - عندهم - لتفاوت أهل الإيمان في الاتصاف به، فأجمعوا على أن يكون التصديق هو الحد الذي يميز الإيمان ويعرفه، يقول إمام الحرمين الجويني: "المرضى عندنا أن حقيقة الإيمان التصديق بالله تعالى فالمؤمن بالله من صدقه". (٤)


(١) هو حماد بن مسلم مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري الكوفي الفقيه، فقيه محدث وثقة ابن حبان وقال عنه الذهبي: ثقة إمام مجتهد كريم جواد، مات سنة: ١٢٠. انظر: الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي: (١/ ٣٥١). والثقات لابن حبان: (٤/ ١٥٩).
(٢) انظر: سير أعلام النبلاء: (٥/ ٢٣٥).
(٣) انظر: شرح الطحاوية للإمام ابن أبي العز: ٣٣٣. وانظر: الإيمان: ١٨٣ - ٣٧٧.
(٤) الإرشاد: ٣٩٧. وانظر: الإنصاف للباقلانى: ٥٥.

<<  <   >  >>