للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كانت الشهادة من الدين بمنزلة لا يمكن بحال تجاهل أهميتها وكونها أساسًا لدخول المرء في الإسلام، وتحريم دمه وماله، ذهب أهل التحقيق من الأشاعرة - كما حكى التفتزانى ذلك عنهم - إلى أن الشهادة شرط ليس في حقيقة الإيمان، وإنما لإجراء الأحكام الدنيوية، وخالفوا بذلك ما عليه فقهاء المرجئة من كونها شطر وليست بشرط. (١)

ولبيان السبب الذي حملهم على هذا التصور، فقد أشرت منذ البدء إلى أن الفهم الخاطئ الذي حمله فكر الخوارج إلى المجتمع المسلم، والذي تمثل في اعتقاد أن الإيمان حقيقة واحدة لا يمكن أن تتجزأ، وأن زوال البعض مؤذن بزوال الكل (٢)، دعا المرجئة إلى أن قصروا الإيمان على التصديق؛ حتى لا يؤثر ارتكاب الكبائر والتقصير في الواجبات على مسمى الإيمان، وبالتالى يخرج صاحبها عن دائرته، كما فعل الخوارج، إذا الارتباط واضح بين تعريفهم للإيمان بأنه التصديق؛ وأنه حقيقة واحدة تزول بزوال بعضها. (٣) فمنعوا بذلك إمكان الزيادة والنقصان. (٤)

ويحكى الرازي شبهة الأشاعرة، قائلًا: "الإيمان عندنا لا يزيد ولا ينقص؛ لأنه لما كان اسمًا لتصديق الرسول في كل ما علم بالضرورة مجيؤه به، وهذا لا يقبل التفاوت؛ فكان مسمى الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان". (٥)

وبعد حكايته لأقوال الخوارج والسلف في الإيمان رأى أن التوفيق ممكن بجعل العمل ثمرة من ثمرات التصديق، وخلص بذلك إلى أن "كل ما دل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان كان مصروفًا إلى أصل الإيمان، وما دل على أنه قابل لهما فهو مصروف إلى الإيمان الكامل".


(١) انظر: شرح النسفية للتفتزاني: ٤٢٨، وانظر: تحفة المريد: ٢٨.
(٢) انظر: الفتاوى: (١٣/ ٤٨).
(٣) المرجع السابق: (٧/ ٤٠٤ - ٥١١)، وشرح العقيدة الأصفهانية: ١٤٣.
(٤) انظر: ما قاله الطوسي موضحًا هذه القضية في تلخيصه لمحصل الرازي: ٢٣٩.
(٥) المحصل: ٢٣٩. وانظر: الإنصاف للباقلاني: ٥٧.

<<  <   >  >>