للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دون بعضها، فإنه بزوال بعضه يجتمع مع نقيضه الكفر وهذا محال (١) ومن أجل التخلص من هذا الذي ظنته لازمًا لاعتقاد تشعب الإيمان، جعلته أصل واحدًا وهو التصديق، ومنعت زواله إلا بما يعرضه مباشرة من أنواع الكفر (٢): كالتكذيب, والشك والنفاق، فأخرجت بذلك العمل بشتى أنواعه من حقيقة الإيمان، ولم يعد للتقصير في جانبه أثر في نقض الإيمان وهذا بحد ذاته تفريط مخالف في مقابل إفراط الخوارج وغلوهم. (٣)

وقصروا في المقابل بقضايا الأسماء والأحكام. فنعتوا من استقر في قلبه التصديق بالإيمان، ولو فرط بالتقصير في الأركان، وحكموا له برضا الرحمن؛ فخالفوا بذلك المنزل من القرآن على من وصف بالبيان - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا.

فمن أهم ما نتج عن هذا الفهم السقيم لحقيقة الإيمان بإبعاد العمل عن مسماه، ما ذهب إليه المرجئة في تفسير الإسلام، حيث فسروه بما يوافق معتقدهم في إبعاد العمل حتى لا يكفر تاركه عندهم، فقالوا حقيقة الإسلام هي: الإذعان، سواء أتبع ذلك بالعمل أو لا، وخالفوا بهذا ما هو معلوم من الدين بالضرورة. (٤)

وبناء على ما تأصل اعتقاده عند الأشاعرة من الجزم بإنفاذ الوعد لكل من أتى منه التصديق، فقد اعتمدوا منهج الأخذ بعموم نصوص الوعد التي وجدوا في ظاهرها ما يؤيد مذهبهم وتقديمها على نصوص الوعيد في ذلك؛ وكثيرًا ما يكون إعمال هذا الأساس لتدعيم الشبه العقلية بالدليل الشرعي.

ولا يخفى ما في هذا الفهم من تفريط قابل إفراط الخوارج باقبح منه، فلم يعد لديهم ضابط للتكفير سوى الإقرار بما يخالف التصديق من الشك أو التكذيب، وصارت حقيقة التوحيد مقصورة على من أتى بالتصديق، ولو أتى بما علم مناقضته للدين بالضرورة. (٥)


(١) انظر: الإرشاد للجوينى: ٣٩٩. انظر: الإيمان لشيخ الإسلام: ٣٨٧.
(٢) انظر: الإنصاف للباقلاني: ٥٧.
(٣) انظر: فتاوى شيخ الإسلام: (٧/ ٥١٠).
(٤) انظر: شرح العقائد النسفية: ١٥٩. والمبحث السابق في علاقة الإسلام بالإيمان.
(٥) المواقف: ٣٨٨. وانظر: العقائد النسفية: ١٤٢. وانظر: مبحث التوحيد ونواقضه: ١٨٤.

<<  <   >  >>