للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دل على هذا الأصل حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). (١)

يقول الإمام ابن رجب (٢): "فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه للمحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه:

فإن كان قلبه سليمًا ليس فيه إلا محبة الله تعالى، ومحبة ما يحبه .. صلحت حركات الجوارح كلها.

وإن كان القلب فاسدًا قد استولى عليه اتباع هواه .. فسدت حركات الجوارح كلها". (٣)

وهذا لازم لمن نطق بكلمة التوحيد على جهة الإخلاص والتسليم، فإن لهذه الكلمة العظيمة نورًا تتفاوت درجات قائليها بقدر قوته وضعفه.

فكلما عظم نورها أحرق ما صادفه من الشهوات والشبهات، وقد يضعف فلا يحول بين قائلها وبين الوقوع في المحرمات. (٤)

وأما في حال انتفائه، فهذا هو النفاق الذي كان عليه المنافقون، فإنه لشدة ضعف نورها في قلوبهم مع ذهاب موجبها من التصديق التام، ينطفئ فيحصل لهم التيه في ظلمات الكفر والضلال، كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: ٢٠].

وبعد هذا التفصيل في حقيقة الإيمان الموجب للفوز وتحقق الوعد بالنجاة، تتحتم المناقشة في قضية مهمة سبقت الإشارة إليها، وهي: تعريف التقوى بأنها الإقرار


(١) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان - باب فضل من استبرأ لدينه، حديث رقم: ٥٢.
(٢) هو الحافظ المحدث زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن البغدادي الدمشقي الحنبلي الشهير بابن رجب اشتغل بالحديث والسماع والوعظ له مؤلفات عميمة النفع منها: شرح جامع أبي عيسى الترمذي، وشرح الأربعين النووية توفي سنة: ٧٩٥. انظر شذرات الذهب: (٦/ ٣٣٧).
(٣) جامع العلوم والحكم: ٢١٠.
(٤) انظر: شرح العقيدة الطحاوية: ٣٣٤.

<<  <   >  >>