للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الإيمان، وبين نصوص الوعيد التي دلت على استحقاق مرتكبي الكبائر للخلود في النار هو ما ذكره الإمام ابن القيم - رحمه الله - حيث بين أن هذه النصوص كل الذي دلت عليه هو "المقتضى للعقوبة" بمعنى السبب الموجب لترتب الحكم عليه.

وهذا المقتضى في الحقيقة الشرعية لا يلزم من وجوده وجود ما يقتضيه من أحكام العقوبة على الإطلاق، لأنه سبب، والسبب حتى يعمل لا بد من وجود مقتضيه أن تنتفى موانع إنفاذه، وقد ثبت أن لإنفاذ الوعيد موانع تحول دون وقوعه على من أتى بها، وعلى رأس تلك الموانع: التوحيد، الذي دلت النصوص القاطعة على اعتباره مانعًا من وقوع الوعيد إما قطعًا، أو على جهة التأبيد، فقد ثبت عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة: قلت: وإن سرق وإن زنا؟ قال: وإن سرق وإن زنا). (١)

والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، والشفاعة وغير ذلك مما تقدم، كلها تؤكد هذه الحقيقة.

"ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات؛ اعتبارًا بمقتضى العقاب ومانعه، وإعمالًا لأرجحها". (٢)

وهذا هو مقتضى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} حيث "جعل ما دون ذلك الشرك معلقًا بمشيئته" (٣) وقد أحسن الصاوي في استدلاله بهذه الآية لبيان بطلان مذهب الوعيدية في هذا الباب.

وتبقى مناقشته في حقيقة هذا الشرك الذي توعد الله تعالى من وقع فيه بعدم المغفرة الموجبة للقطع بالخلود في النار.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد - باب كلام الرب مع جبريل، رقم الحديث: ٧٤٨٧.
(٢) مدارج السالكين: (١/ ٤٠٠).
(٣) فتاوى شيخ الإسلام: (٧/ ٤٨٤). ولمزيد من التوسع في هذا الباب يوصي بالرجوع إلى كتاب الوعد الأخروي، للشيخ الدكتور/ عيسى السعدي.

<<  <   >  >>