للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البلد في عصره كان أحد المسؤولين الكبار رجل نصرانى يدعى إبراهيم الجوهري، فإنه لما ترأس إيراهيم بك قلده جميع الأمور، فكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميرى وجميع الإيراد والمنصرف وجميع الكتبة من تحت يده.

ولا يخفى ما في هذا الفعل من إعلاء لشأن الكفرة ومخالفة لأمر الله تعالى في البراء منهم وعدم اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، يصدق هذا ما أحدثه هذا النصرانى لبنى عقيدته، حيث: عمرت في أيامه الكنائس وديور النصارى، وأوقفت عليها الأوقاف الجلية والأطيان، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق والأغلال (١).

ومن صور ذلك الولاء لمثل أولئك الكفرة ما تمتع به المعلم نقولا النصرانى الأرمنى، فقد كان رئيسًا لمراكب مراد بك الحربية، وقد نال من الحفاوة والاهتمام ما مكنه من ركوب الخيل ولبس الملابس الفاخرة والمشى في الأسواق على هيئة المتبختر، فالجنود يوسعون له الطريق، ويحتفون به كما يحتفى بالأمراء (٢).

ومع كل هذا الاهتمام الذي ناله أولئك الكفرة من أمراء المسلمين، إلا أنه لم يكن دافعًا لهم لحفظ عهدهم وقت محنتهم أيام الاحتلال الاجنبى، فقد تقدم الحديث عن الحملة الفرنسية التي وجهت إلى مصر طمعًا في خيراتها، لقد كشفت هذه الحملة عن عداء متأصل امتلأت به نفوس أولئك الكفرة، يقول الجبرتى في ذلك عند وصفه أحداث تلك السنة: ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والأروام واليهود، وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف؛ بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء، وتجاهرهم بفاحش القول، واستذلالهم المسلمين، كل ذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد والحال والمركوز في الطبع ما زال (٣).

أما في زمن سلطة محمد على باشا، فقد حصل لأولئك الكفرة من التمكن ما آلم الكثير من المسلمين، لقد نالوا في عهده أرفع المناصب وأرقى الدرجات حتى


(١) عجائب الآثار: (٢/ ١٧٣).
(٢) المصدر السابق: (٢/ ٢٧٠).
(٣) المصدر السابق: (٢/ ٢٥٠). وانظر: مظهر التقديس، للجبرتى: ٨١.

<<  <   >  >>