للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تسلطوا على شرفاء المسلمين وضعافهم، يقول الجبرتى: "واشتد في هذا التاريخ أمر المساكن بالمدينة، وضاقت بأهلها لشمول الخراب وكثرة الأغراب، وخصوصًا المخالفين للملة فهم الآن أعيان الناس، يتقلدون المناصب، ويلبسون ثياب الأكابر، ويركبون البغال والخيول المسومة، والرهوانات وأمامهم وخلفهم العبيد والخدم، وبأيديهم العصى، يطردون الناس، ويفرجون لهم الطرق، ويتسرون بالجوارى بيضاء وحبوشًا، ويسكنون المساكن العالية الجليلة، يشترونها بأغلى الأثمان، ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزاهة، ومنهم من عمر له دارًا وصرف عليها ألوفًا من الأكياس، وكذلك أكابر الدولة لاستيلاء كل من كان في خطه على جميع دورها أخذها من أربابها بأى وجه، وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع إلى إذلال المسلمين أنهم يحتاجون إلى كتبة وخدم وأعوان والتحكم في أهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير إنكار، ويقف الشريف والعامى بين يدى الكافر ذليلًا" (١).

وقد سبق الحديث عن المذبحة التي جارى بها محمد على المماليك في مصر ونفيه لنقيب الأشراف عمر مكرم؛ من أجل القضاء على الزعامة الدينية والشعبية، إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد استعان محمد على بهؤلاء الكفرة الذين نالوا أعلى المناصب من أجل القضاء على عموم المشيخة، أو الاستحواذ عليها على الأقل، حيث كان أهم عمل قام به في سبيل ضرب الاتجاه الإسلامى الممثل في الزعامة الدينية هو ضمه للأوقاف التي كانت موقوفة على الأزهر؛ لينفق منها على التعليم والمشايخ إلى ملكية الدولة، فقد مكنه هذا من تحقيق هدفه في تقويض دور التعليم الدينى، وإحكام السيطرة على المشايخ والقائمين على التعليم من رجال الأزهر، بعد أن فقدوا قدرتهم على معارضته (٢).

أما عن موقف الشعب من عقيدة الولاء والبراء، فإن الحديث عن الحالة الدينية وما أصاب المسلمين من وهن عقدى، والتفات نحو الغرب، لا يصح عزله أبدًا عن


(١) المرجع السابق: (٣/ ٦٢٣).
(٢) في تاريخ العثمانيين، الدكتور/ زكريا بيومى: ١٧٩.

<<  <   >  >>