للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المؤثرات والعوامل التي ساعدت في اتساع زاوية الانحراف، ذلك أن الضرر لم يقتصر على سوء تصرف الحكام فقط، أو على أولئك النفر الذين ارتادوا أماكن. الرياسة من المخالفين للملة، لقد كان الخطر في حقيقة الأمر أشد تفاقمًا من هذا كله، إن مواجهة المسلم بالعداء في الغالب يحدث رد فعل عكسى يقضى بمواجهة ذلك الظلم بكره الظالم والحنق عليه، إن لم يكن له سبيل آخر يواجه فيه ذلك الضيم بالفعل، ومن هنا فقد تفطن الأعداء لذلك المنزلق الخطير، وراموا هدم بلاد المسلمين بدسائس الغزو الفكرى، فاتجهوا إلى سياسة المكر والخديعة، مع محاولاتهم المتتالية في مد سيطرتهم بالقوة على أرجاء البلاد الإسلامية، فلم يكن من السهل تفتيت قوة المجتمع الإسلامى، إلا بهذا النوع من التآمر المحكم الذي كاد به أعداء الإسلام لبلاد المسلمين.

بيان ذلك أن الحملة الفرنسية التي قادها نابليون على مصر، والتى استهدفت القضاء على الشريعة الإسلامية واحتلال بلاد المسلمين لنهب خيراتها لصالح الكتلة الغربية، قد صاحبها مستشرقون ومنصرون كأصرح صورة من الأطماع الأوربية في العصر الحديث في الشرق، حيث استعان الفرنسيون بعدد كبير من المستشرقين الذين تخصصوا في كثير من فروع العلم والمعرفة، كالطب، والهندسة، والترجمة، وذلك من أجل تحقيق أطماعهم الاستعمارية، وليس بخفى ما تبع فتح مطبعة بولاق الشهيرة من ترجمة علوم الغرب وآدابه، كما حرصت هذه البعثة أشد الحرص على نبش الأرض الإسلامية لاستخراج حضارات ما قبل التاريخ؛ لذبذبة ولاء المسلمين بين الإسلام وبين تلك الحضارات، تمهيدًا لاقتلاعهم نهائيًا من الولاء الإسلامى، يؤكد هذا ما قاله أحد المستشرقين الصرحاء: إننا في كل بلد إسلامى دخلناه نبشنا الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وبين تلك الحضارات (١).

إن نابليون لم يأتِ إلى البلاد المسلمة كاشحًا عن أنيابه، مظهرًا أطماعه


(١) واقعنا المعاصر، محمد قطب: ٢٠٢.

<<  <   >  >>