للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستعمارية، لقد ظهر نابليون أمام المصريين بصورة المستشرق، فتظاهر بالإسلام وشارك المصريين في احتفالاتهم الدينية، وارتدى العمامة والجبة، وزار علماء الأزهر في بيوتهم، كما أنشأ مجتمعًا علميًا، وأصدر ثلاث صحف، واحدة منها باللغة العربية، وأنشأ متحفًا ومكتبة ومصنعًا ومختبرًا ومسرحًا، وفتح أبوابها أمام المصريين؛ كل ذلك من أجل أن يخاع الناس، ولكن سرعان ما انكشف أمره لمشايخ الأزهر، حتى اضطر أحدهم لمواجهته بذلك قائلًا: لو كنت تدعى الإسلام حقًا، فلماذا لا تطبق الشريعة في بلادك، بدلًا من تبديل الشريعة هنا بالقوانين الوضعية؟ ! (١).

ولعل المنشور الأول الذي قام نابليون بتوزيعه إبان الحملة الفرنسية، ليعد من أكبر الدلائل على ما يحاول الوصول إليه من تشويش العقيدة، وضرب المبادئ والأصول الإسلامية، وهذا نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه. من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهلى مصر جميعهم أننى أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، واحترم نبيه والقرآن العظيم، وقولوا أيضًا لهم: إن جميع الناس متساوون عند الله، وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط" (٢).

وليس بخفى ما تضمنه هذا النص من الدعوة إلى أسس المذهب الماسونى، الذي صرح نابليون بالولاء له عندما وضع طيلسانة موشاة بعلم الثورة الفرنسية المثلث (حرية، إخاء، مساواة) على كتف الشيخ الشرقاوى، ولكنه ألقى بها على الأرض رافضًا ارتداءها.

وقد وقع بعض المشايخ في فخاخ هذه الدعوة الملحدة، حيث نجح الفرنسيون في ضم بعض المصريين من المشايخ والعلماء من بينهم حسن العطار إلى المحفل الماسونى الذي أسسه كليبر سنة ١٨٠٠ م (٣).


(١) انظر: الدولة العثمانية والغزو الفكرى، الدكتور/ خلف الوذينانى: ١٨٤.
(٢) عجائب الآثار: (١/ ١٨٣).
(٣) انظر: في تاريخ العثمانيين، الدكتور/ زكريا بيومى: ١٦٨.

<<  <   >  >>