للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تناول الصاوي في حديثه عن الجن بيان أصلهم الذي يرجعون إليه، والذي يظهر - والله أعلم - أن إبليس واحد منهم، وليس بأصل لهم، كما رجح الصاوي، لقوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: ٥٠].

أما ما أورده الصاوي من أقوال أخرى، ككونه من قبيلة يقال لها الجن من جنس الملائكة، فهذا ما روى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (١) وعن غيره من التابعين، ولكنه في الحقيقة مما لم يدل عليه دليل، بل الأدلة تدل على أن الجن جنس آخر، يختلف اختلافًا جذريًا عن الملائكة، وقد سبق وأن أوردت الحديث الشريف الذي يبين أصل الاختلاف في الخلقة، بأن الملائكة خلقت من النور وأن الجن خلقوا من النار.

أما عن قوله بأن المارد منهم يسمى شيطانًا، فالصحيح في ذلك أن الجن أنواع، يفترقون بحسب الخلقة والامتثال، فالخارجون عن الطاعة يسمون بالشياطين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: ١١٢].

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال: يا نبي الله وهل للإنس شياطين؟ قال: نعم، شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول) (٢)

ومنهم من يوصف بالمارد، والمريد، أما المارد فكقوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: ٦، ٧] والمارد: العاتي الشديد من الجن والشياطين.


(١) ابن جرير الطبري: (١٥/ ٢٥٩). ومن المعلوم أن أبى عباس - رضي الله عنهما - حبر هذه الأمة كان ممن يروي الإسرائيليات ويحدث بها بعد أن أذن المصطفى - عليه الصلاة والسلام - بذلك فلعل هذه الرواية منها والله أعلم.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي ذر، رقمه: ٢١٤٣٧: (١٦/ ١٧). وقال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار في الأوسط وعند النسائي طرف منه وفيه المسعودي وهو ثقة، ولكنه اختلط": (١/ ١٦٠).

<<  <   >  >>