للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فإن هذه الآية الكريمة شملت حتى غير الأنبياء ممن أوحى إليهم وحي إلهام، كأم موسى - عليهما السلام - (١)، والحواريين، وغيرهم من أهل الصلاح، فتكون بذلك مبينة لأقسام الوحي المتعلق بالبشر بمعناه الكلي العام وقد أشار الإمام ابن تيمية لهذا كما تقدم.

أما المعنى الخاص أو ما يسمى بالمعنى الشرعي، وهو الذي يغلب استعمال الوحي فيه فهو ما يلقى إلى الأنبياء خاصة، وقد عرفه الصاوي بأنه: الإرسال من الله لعبده بالأحكام.

ومن أجمع ما عرف الوحي به في الاصطلاح تعريف الإمام ابن حجر - رحمه الله - والذي قاربه فيه الصاوي، حيث قال: "الوحي شرعًا: الإعلام بالشرع، وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه؛ أي الموحى، وهو كلام الله المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (٢)

فكانت كلمة الشرع قيدًا، خرج بها ما يلقى لغير الأنبياء بطريق الإلهام، لأنه لا تشريع فيه ولا أحكام.

ومع إمكان اشتمال الإلهام على الحكم التشريعي (٣) إلا أنه لا يصح استقلاله بالدلالة عليه، بمعنى: أن لا يكون أصلًا له من حيث التشريع والحجية، ويجوز أن يكون موافقًا لما ورد مسبقًا من الأحكام التشريعية في الكتاب والسنة، فيفيد بذلك التأكيد والثبات، دون التأصيل والاستقلال.


(١) هذا على القول الراجح، وانظر: مبحث العلاقة بين الرسول والنبي: ٤٠٢.
(٢) فتح الباري: (١/ ٩).
(٣) وذلك في مثل ما وقع للصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - من سماع الأذان في المنام قبل تشريعه، فقد أخرج أبو داود في سننه عن أبي عبد الله بن زيد أن رسول الله قد أمره بالضرب في الناقوس للإعلام بالصلاة فرأى في المنام من يعلمه كلمات الأذان مرشدًا إياه أن هذا خير مما كان يفعل ليؤذن الناس بالصلاة، فذهب ذلك الصحابي إلى رسول الله ليعلمه بالرؤيا فمعه عمر بن الخطاب وأخبر بحصول ذلك له فأقر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما كان في رؤيتهما وشرع الأذان لإعلان الناس بوقت الصلاة، انظر: كتاب الصلاة - باب كيف الأذان، رقم الحديث: ٥٠٠: (١/ ٣٨٧). صححه الألباني في صحيح أبي داود وقال: حسن صحيح، برقم: ٤٦٩: (١/ ٩٨) وغيرها من الأحداث ولكن لم يكن لذلك المنام أن يستفاد منه حكمًا شرعيًا لولا إقرار النبي له وإعلامه إياهم أنها رؤيا صالحة.

<<  <   >  >>