للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان حديثه عن التحريف والتبديل الذي وقع في الكتب السابقة متفرقًا؛ بحسب الآيات التي اشتملت على ذكر الأفعال الشنيعة الصادرة من كفرة أهل الكتاب في تحريفهم ما أنزل إليهم من ربهم، وكان ذلك التغيير والتحريف منهم على ضربين، فمرة يحرفونها بالتأويل الباطل فلا يقيمون حدودها، ومرة يحرفونها بالنص فيعبثون بآياتها طمسًا، وتزويرًا، وإضافة.

وأما الضرب الأول فقد أشار إليهم عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، يقول: " (نزلت في قريظة وبني النضير فكان الواحد من بني النضير إذا قتل واحدًا من قريظة أدى إليهم نصف الدية وإذا قتل الواحد من قريظة واحدًا من بني النضير أدى إليهم الدية كاملة) (١) فغيروا حكم الله الذي أنزل في التوراة وكل آية وردت في الكفار تجر بذيلها على عصاة المؤمنين (٢).

- وأما الضرب الثاني، فهو التحريف النصي لما هو مكتوب عندهم، يقول عند تفسير قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧١] " الحق أي نعت محمد وأصحابه المذكور في التوراة والإنجيل، لبس الحق بالباطل: "أي التغير لتلك النعوت، والكذب في تلك الصفات" (٣)

ويفصل القول في هذا التحريف والتزوير وذلك بضرب الأمثلة من واقع أفعالهم الشنيعة، يقول عند تفسير قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦]: "الكلم أي الكلام، من نعت محمد أي من كونه أبيض مشربًا بحمرة، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير مثلًا، فقد حرفوه وقالوا:


(١) أخرجه أبو داود في سننه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كتاب الأقضية - باب الحكم بين أهل الذمة، رقم الحديث: ٣٥٨٦: (٤/ ٢١٣). وصححه الألباني في صحيح ابن داود، برقم: ٣٠٦١: (٢/ ٦٨٥).
(٢) حاشية الجلالين: (١/ ٢٦٨).
(٣) المرجع السابق: (١/ ١٥٢).

<<  <   >  >>