للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: (أنا الملك أنا الديان). (١)

وفي هذا دلالة صريحة على أن كلامه تعالى بحرف، لأنه لا يكون بصوت مسموع إلا لكونه من حروف، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - في اعتماد هذا المعتقد عن سائر السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان: "واستفاضت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة السنة؛ أنه سبحانه ينادي بصوت، نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت، أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت، أو بحرف" (٢).

وكان ما ذكر الرازي الإجماع عليه من كون الحروف والكلمات مخلوقة غير صحيح، وعدم علمه بالمخالف لا يعني عدمه، بل الصحيح أنه نقل عن الأئمة التوقف في هذا لعدم ورود النص الذي يقطع بكونها مخلوقة، أو غير مخلوقة؛ وذلك لأن في القطع بأحدها لوازم باطلة، تدل على بطلان ملزومها، فالقول: بأنها مخلوقة يجر إلى القول بخلق القرآن، والقول: بأنها غير مخلوقة يجر إلى اعتقاد أن كلام الناس بشتى أنواعه مبني على ما هو غير مخلوق، ولا يخفى ما في هذا من البطلان الذي يتشدق به أهل الحلول والاتحاد (٣).

والذي يظهر لي أن القول الفصل في المسألة هو ما توصل إليه الدكتور الجديع، حيث قال: "إن الحرف المجرد الذي هو جزء من اللفظ، مثل: (ز) من كلمة:


(١) ذكره البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أنيس: كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}: (١٣/ ٤٥٣). وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث عبد الله بن أنيس: (٤/ ٥٥١). حديث حسن: انظر: تخريج الدكتور عبد الله الجديع له في رسالته: العقيدة السلفية في كلام رب البرية: ١١١.
(٢) مجموع الفتاوى: (١٢/ ٣٠٤).
(٣) ومن ذلك قول ابن عربي الطائي:
وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه

<<  <   >  >>