للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(زيد) لا يقال فيه مخلوق، ولا غير مخلوق؛ لأن الحرف المجرد ليس كلامًا، وإنما يقع الكلام فيما ألف من الحروف فأفاد معنى، ككلمة (زيد) اسم علم معروف.

والكلام المؤلف من الحروف الذي يفيد معنى يفصل فيه: فإن كان كلامًا لله تعالى، كان غير مخلوق.

وإن كان كلامًا للعبد ينشئه من تلقاء نفسه، لا يريد به قراءة كلام الله فهو مخلوق، فقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} غير مخلوق، وقولك: (جاءني زيد فأكرمته) مخلوق، لأن الأول كلام الله تعالى نظمه وحروفه، والثاني كلامك نظمه وحروفه" (١)

* * *

- هذا والحديث في عظمة القرآن وأنواع الإعجاز فيه حديث ذو شجون، ويمكن إيجاز القول فيه بأن الإعجاز في القرآن الكريم - كما ذكر الصاوي - على ضربين فقد أعجز لفظًا ومعنى، ولكن الكلام فيما اشتمل عليه ذلك اللفظ والمعنى من أنواع الإعجاز، فقد أحار الأولين والآخرين في الإحاطة به، وقد تناول الزركشي أقوال العلماء في بيان أنواعه: حيث البلاغة من جهة تفاوتها واستمرارها في كل ألفاظه، وعدم إمكان التعبير عنه بنفس المراد مهما بذل من جهد، ومن جهة نظمه وتأليفه، ومن جهة سلامته مع غرابة أسلوبه، ومن جهة ما تضمنه من أخبار الأولين والآخرين، ومن جهة حديثه عن الغيب، وغير ذلك مما يعجز المقام عن التفصيل فيما أشار إليه - رحمه الله - حتى قال في الوجه الثاني عشر: "قول أهل التحقيق: إن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال (٢)، لا بكل واحد على انفراده، فإنه جميع ذلك كله، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك مما لم يسبق، فمنها الروعة التي في قلوب السامعين وأسماعهم.


(١) العقيدة السلفية من كلام رب البرية: ١٧١ - ١٧٢.
(٢) سيأتي كلامه فيها.

<<  <   >  >>